إلى أَحَدٍ بحر الرؤى باتَ بَحْرَهُ
يُسَكِّرُ من بحرِ الكلامِ أَمَرَّهُ
يجوبُ سِلَالَ النورِ يَحْظَى بِجَذْوَةٍ
ويخلقُ من ماءٍ ونُورَين نَهْرَهُ
تطوفُ المعاني في ربيعِ كَلَامِهِ
لِتَسْكُنَهُ حَتَّى تُعَانِقَ سُكْرَهُ
يرى بعيونِ الكون يَقْتَاتُ هَمَّهُ
لِيُخْرِجَ مِنْ أَعْمَاقِهِ الآن دُرَّهُ
تَبيتُ نجومُ الليلِ فوقَ سَرِيرِهِ
فَيُوقِظُها حتى تُزَيِّنَ قَصْرَهُ
تُنَادِمُهُ الأيامُ يدخلُ عَبْرَهَا
وحيدا فَتَبْكِي حين تشربُ صَبْرَهُ
ويخرجُ للدنيا يُلَوِّنُ زَيْفَهَا
يُهَذِّبُهَا كَيْ لا تُجَرِّحَ غَيْرَهُ
تُظَلِّلُهُ طيرُ الحروف وحينما
تَغَيَّبَ حرفٌ لَمْ يَسَلْ عَنْهُ طَيْرَهُ
سَيَخْلُقُ آلافاً مَكَانَكَ إِنَّهُ
مِنَ البَدْءِ يُحْيِيهَا لِتَخْرُجَ عَبْرَهُ
كَأَنَّ عَصَا مُوسَى لَدَيْهِ يُحِيلُهَا
إِذَا شَاءَ وَرْداً يَمْنَحُ الأرضَ عِطْرَهُ
رَقِيقٌ كأنَّ الغيمَ مَوْضِعَ خَطْوِهِ
شَفِيفٌ كأنَّ الماء يَقْرَأُ سِرَّهُ
وحيدٌ كأنَّ الأرضَ تَرْكَبُ رَأْسَهَا
فَيْتركها رَهْواً ويَسْكُنُ طُهْرَهُ
عَلِيمٌ بِمَا تُخْفِي الصُّدُور وَوَحْدَهُ
يُهَدْهِدُهَا رِفْقاً فَتُنْسِيهِ صَدْرَهُ
يُشَكِّلُ من ماءِ الغَرَامِ سَحَابَةً
فَيَغْتَسِلُ العُشَّاقُ، تُخْلِفُ قَبْرَهُ
وإِنْ تَلَتِ الدنيا عجائِبَهَا لنا
فِمِنْ حَقِّهَا أَلَّا تُؤَخِرَ ذِكْرَهُ
إِذَا ضَاقَتِ الدنيا عليهِ يُحِيلهَا
إلى بيتِ شعرٍ.. يُدْخِلُ الكونَ شِعْرَهُ
وإِنْ كَثُرَتْ يوماً جِرَاحَاتُ قَلْبِهِ
سَنَلْمِسُهَا إِذْ بَاتَ يَنْزِفُ حِبْرَهُ
وإِنْ كَسَرَتْهُ العابرات بِقَلْبِهِ
سَتَتَّكِئُ الأيام تَشْرَبُ خَمْرَهُ
مَلَاكٌ وشَيْطَانٌ بِدَاخِلِ جَوْفِهِ
فَأَيهما يَطْغَى سَيَمْلِكُ دَهْرَهُ
وتُشْقِيهِ في جُنْحِ المساءات نَفْسُهُ
فَيَرْجِعُ نَحْوَ الشِّعْرِ يَحْمِلُ إِصْرَهُ
شعر/ طارق صميلي - شاعر سعودي