د. صالح بن سعد اللحيدان
يعتبر التنوين أصلاً من أصول دلالة اللفظ، أو إن شئت قُل الكلمة على مراد المتكلم؛ ليفهم السامع أو يفهم القارئ المعنى الذي لا يراد غيره، وذلك ما لم يصرفه صارف من اللوازم عن معناه الأصلي إلى معنى آخر بدلالة الحس أو بدلالة الظاهر أو بدلالة معنوية ذات عمق، تعني هذا دون سواه.
وهذا الذي كنت أوصي به العلماء والباحثين وصناع الثقافة في العالم العربي في كثير من الندوات واللقاءات.
والتنوين في غالب أموره كلها إنما يختص بالاسم دون سواه، كما ذهب إلى هذا ابن معطي وابن مالك وابن جني
والسيرافي ومن أئمة الحديث. وقد بينوه أثناء شروحاتهم للآثار الصحيحة النووي على مسلم، وابن حجر والعيني وابن رجب على البخاري، وابن قيم الجوزية على أبي داوود. وأبو داوود اسمه سليمان بن الأسعف. بينوه من حيث دلالة المعنى دون شرح لفظي؛ لأن هذا ليس المقصد عندهم. ولعلي هنا - وحسب نظري العام - للتذكير بما يحسن نحو التنوين أن أبيّن شيئًا من ذلك، لكن على سبيل الاختصار.
وهذا كما يأتي:
أولاً: هناك تنوين التنكير، لكنه عند أئمة النحو قليل، وهو التنوين اللاصق والملازم للأسماء المبنية.
ولكن هناك مَن فرق بين المعرفة والنكرة في الأسماء المبنية، وهذا الذي كنت أود نظره من الباحثين واللغويين والعلماء الشرعيين الذين يتولون البحوث والدراسات العلمية وما إلى ذلك.
قاله ابن عقيل ووافقه قوم آخرون، وضربوا مثالاً على هذا (مررت بسيبويه وبسيبويه آخر)
ويقصد ابن عقيل هنا كما في شرحه على ألفية ابن مالك ص17 /18 /19 الجزء الأول.
يقصد أن سيبويه الأول في المثال هو الإمام المعروف، ويقصد بالثاني المنكر سيبويه لرجل اسمه كذلك لا يمت للعلم بصلة.
قلت: وهذا مقارب ما لم يكن هناك شبيه للاسم المبني المعرفة بنكرة، لكنه معروف، فيكون هذا من باب الترادف للأسماء. ولم أقف على من أشار إلى هذا.
ثانيًا: وهناك أيضا تنوين العوض، وهذا التنوين عندي مشكل؛ لأن هذا التنوين يتداخل مع أشياء أخرى ليس هنا محل شرحها أو بيانها وأمثلتها في هذا المعجم. وبالله التوفيق.
أقول: إن تنوين العوض - وهو الثاني - يراد به تعويض شيء عن شيء. تعويض حرف عن حرف، أو هو تعويض تنوين عن حرف، كان من حقه أن يذكر. وأبين ما يأتي:
أولاً: تعويض عن اسم، وهنا يلزم كما حكاه غير واحد أن يكون لاحقًا (لكل) مثال (كلٍ آتٍ) أو (كلٍ واعٍ)،
ونحوهما على هذه الصيغة. قال ابن لحيدان: وأنت ترى قارئي العزيز أن (كل) جاءت في هذا النسق تعويضاً عما تم من الإضافة، وبيان هذا في الآتي
(فكلٍ آت) أريد كل فاضل من الناس آتٍ،
و(كلٍ آتٍ) أريد كل غائبٍ آتٍ.. وهكذا .
ثانياً: وهذا يكون العوض فيه عن حرف لكن في غالب هذا النوع من التنوين إنما يكون الحرف حرف علة، نحو (رعيت مواشٍ كثيرة) أريد رعيت من الرعي المواشي بهيمة الأنعام، فحذفت الياء وتم التنوين عوضًا عنها (مواشٍ)، لكن في النوع الأول المحذوف هو الجملة. وباب هذا مطرد. وفي القرآن الكريم وفي الآثار الصحيحة أمر هذا وافر.
ثالثاً: وهناك نوع دال على بلاغة القرآن وسبقها وقوتها، وكشف مثل هذا في سياق الدلالات اللفظية يبيّن أن اللغة والنحو كلاهما موهبة، وقد ينفع في هذا الاكتساب مع ضرورة وجود الاستعداد للتلقي العقلي والفهم الصحيح السالم من العجلة. وهذا النوع تنوين عوض عن الجملة لدلالة الحرف عليها، ويدرك هذا بضرورة دلالة القرينة. مثال ذلك (حين إذٍ علمت) المراد حين نظرت العلم وفهمته علمت، فكأن حين وما بعدها هذه الجملة جاءت إذ في حينئذ المشتركة مع الظرف حين لتكون عوضاً عما تم حذفه، ويفهم بالسليقة.
رابعاً: ومن التنوين - وهذا هو الأكثر في كل سياق لغوي - تنوين التمكن أو التمكين عند المتقدمين. قلت: وهذا يختص بالأسماء (المعربة) ليس إلا؛ فهذا لاحق لها، لا ينفك عنها إلا بصارف موجب لا محيد عنه. ومثاله (جاء أحمد)، (مررت بعلي)، وشبه هذا.
وقد ضغط ابن هشام في أوضح المسالك الكلام حول هذا، لكنه قصر كلامه على قواعد، ليته شرح وأبان، ولاسيما وهو من أئمة النحو، وكلامه يخاطب العقل ويبعثه؛ ولهذا جاء كلامه أشبه ما يكون بالأصول.
وأنت ترى أنني تكلمت عن هذا الباب من أبواب النحو؛ وذلك لزهد الكثير اليوم عن هذا العلم، حتى لقد وقع البعض في أخطاء جسيمة مع أن بعضهم من العلية وأهل الثقافة والعلم والنقد.
... ... ...
بريد خاص
مزهر بن نوفل الخيري الحربي أبو عمر بريدة
فيما يتعلق بالأستاذ حمزة بن قبلان المزيني الحربي كم كنت أود لو يكون طويل النفس في كتاباته اللغوية؛
فقد ناقش قضية المفكر تشو مسكي، وبيّن أنه لعله لم يغرد، ولكنه لعله بعيد عن هذا؛ لأن أطروحات تشو مسكي تدل على أن هناك من يغرد له في تويتر؛ ذلك أنه يفقد المتابعة التفاعلية للفكر العالمي. قد أكون مخطئاً لكن هذا ما فهمته.
حصة م ع جامعة الملك سعود
خذوا شطر دينكم من هذه الحميرة
هذا حديث لم يصح. أقدر لك التواصل