يوسف المحيميد
حينما عادت الحفلات الغنائية إلى جدة والرياض حاول البعض في الرمق الأخير تشويه الحدث، وسلب فرحة النَّاس، والربط بينها وبين المرابطين على الحد الجنوبي، رغم أن الدول الكبرى تحارب وتبني وتصنع وتتعلم وتفرح في وقت واحد، لا فعل يلغي الآخر، بل إن هذه المناسبات فرصة يمكن استغلالها لبث الروح الوطنية لدى المواطنين، وهذا ما حدث في أغاني محمد عبده الذي أدخل في معظمها حب الوطن بذكاء، وتداخل مع حب المحبوبة، بل إنه ختم وصلته الغنائية برائعته التي تتجدد روحها «فوق هام السحب» من كلمات الأمير الرائع بدر بن عبدالمحسن، فردد معه نحو عشرة آلاف مواطن «مجدك لقدام وأمجادك ورا».
الدول الكبرى هي التي تدخل الحروب والدفاع عن أراضيها، ولا تتوقف عجلة التنمية فيها، تحارب وتتعلم وتصنع وتزرع وتحصد وتأكل وتحتفل، وحتمًا المملكة إحدى هذه الدول، بل إن التجارب في دول كبرى خاضت حروبًا وتحولات مختلفة، انعكس ذلك في فتراتها تلك، على الآداب والفنون، فالموسيقى هي انعكاس لحالة الحرب، تظهر فيها الأغاني الوطنية الحماسية، والأدب تكتب فيه الروايات والقصائد التي تعكس ملامح البطولات والانتصارات، والفن التشكيلي تظهر فيه أهم اللوحات الخالدة، فهي جميعًا تصور حالة الإنسان ومشاعره، فخره بوطنه، واعتزازه به.
كنت أتمنى ألا يُلغى أوبريت الجنادرية هذا العام، وإنما يُخصص كامل الأوبريت لجنود الوطن في الداخل وعلى الحدود، نجاحنا في قمع الإرهاب في الداخل، ونجاحنا في الدفاع عن حدود هذا الوطن العظيم، فمثل هذا الأوبريت كان من الممكن أن يقدم صورًا لملامح الجنود الأبطال على الحدود، بدلاً من إلغائه، علينا أن نجعل الداخل والخارج يدرك أننا نخوض حربًا عادلة، نحمي وطننا وجيراننا من تدخلات الدول الأجنبية المعادية، فمثل هذا الأوبريت يحقق ذلك، كما يمثل تلويحة جميلة لأبنائنا على الحدود، جنوبًا وشمالاً، الاحتفاء ببطولاتهم، والترحم على شهدائنا، والوقوف بجانب أهاليهم.
علينا أن نتعلم بأن الأوطان تحارب وترقص رقصة الحرب، تلك التي تدعم المقاتلين، وتمنحهم الشجاعة والصبر والعزيمة، فمن يتذكر تلك القصيدة الحماسية التي انطلقت مع بدء الحرب: «زيد يالهاجوس هذا الوقت ليه.. شاعرك يضرب دروب المهمهية.. شوش يا راسي على اللحن الحماسي.. غنِ ياحاكم بالألحان القوية» ألم تشوش رؤوسنا وقتها بالنخوة والشجاعة وفداء الوطن بأرواحنا؟