حمّاد السالمي
- بينما كان العالم كله في قاراته كلها؛ يشهد ويتابع حفلة تسلم وتسليم كرسي الرئاسة في البيت الأبيض الأميركي في واشنطن؛ كان هناك من يتابع على خجل- وأنا من هذا المَن- حفلة أخرى تجري في (بانجول) عاصمة جمهورية غامبيا، التي تحولت إلى دولة إسلامية قبل عام ونيف.
- غامبيا هي إحدى دول الغرب الأفريقي. وهي أصغر دولة في البر الرئيسي لقارة أفريقيا. يحدها من الشمال والشرق والجنوب السنغال، ويخترقها نهر غامبيا الذي يصب في المحيط الأطلسي.
- في واشنطن؛ وتحديدًا في ظهيرة يوم الجمعة 20 من شهر يناير المنصرم؛ كان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته: (باراك أوباما)، يستقبل خلفه الرئيس المنتخب (دونالد ترامب) بكل سرور ورحابة صدر، ويسلمه قيادة الدولة الكبرى الذي كان هو رئيسها. بل يقف في صفوف المهنئين والمحتفلين بالرئيس الجديد، ثم يخرج من البيت الأبيض هو وزوجته وبناته في مرح وحبور ورأس مرفوع، دون أي تمنّع أو تأبِّي أو مماطلة.
- في هذا الوقت بالذات؛ كانت هناك حفلة من نوع مختلف، لا يمكن أن تحدث إلا في (العالم الثالث) النائم غير النامي. الغرب الأفريقي يغلي ويدق طبول الحرب. جيوش لعدد من دول غربي أفريقيا وفي مقدمتها دولة السنغال ودولة موريتانيا. حشود عسكرية تستعد للتدخل في الجارة غامبيا لفك الارتباط بين رئيسها (يحي جامي)، وبين كرسي الرئاسة. الرئيس جامي التصق بكرسي الرئاسة حتى صار هو والكرسي شيئًا واحدًا..! فهذا الرئيس الهمام، كلبش في حكم بلده، ورفض نتيجة الانتخابات التي أطاحت به لصالح مرشح المعارضة الفايز: (آداما بارو)، هذا.. مع أن (يحي جامي)؛ وصل للسلطة بانقلاب عسكري عام 1994م، وحكم البلاد 22 سنة، واتهم خلالها بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. هل يعرف هذا ومثله شيئًا اسمه (حقوق إنسان)..؟!
- بعد ذلك بعدة أيام؛ شهدت العاصمة الغامبية بانجول؛ احتفالات فرحية فريدة من نوعها، فقد استطاعت قوات من دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إكواس) دخول العاصمة، وأجبرت الرئيس (الضرورة يحي جامي)؛ على التخلي عن السلطة الأبدية والرحيل إلى غينيا الاستوائية تحت ضغط عسكري وسياسي.
- ما الفرق بين الحفلتين يا ترى..؟ حفلة تسليم الرئاسة الأميركية في واشنطن؛ وحفلة انتزاع السلطة الغامبية في بانجول..؟!
- ببساطة متناهية: هو عين الفرق بين عالم متحضر وآخر متخلف. بين تقاليد ديمقراطية عريقة، وتقاليد سلطوية عريقة هي الأخرى. بين مجتمعات متعلمة، وأخرى جاهلة. بين ثقافات تنويرية وأخرى ظلامية.
- الفرق يتجلى أكثر وأكثر؛ في الحالة الكندية، التي شهدت تشكيل وزارة جديدة في وقت متزامن مع تسليم الرئاسة في البيت الأبيض وانتزاعها في العاصمة الغامبية. لقد تسلم وزارة الهجرة في الحكومة الكندية المنتخبة؛ السيد (أحمد حسين)، وهو من بلد عربي هي الصومال.
«ما هي قصة الشاب الصومالي الذي أصبح وزيرًا في دولة غربية يا ترى..؟
«أحمد حسين الصومالي؛ ولد في بلده الصومال في عام 1975م. هاجر إلى كندا وعمره 18 عامًا.. أي عام 1993م. في كندا عاش وتعلم وتشبع بثقافة تختلف بكل تأكيد عن تلك التي عرفها في بلده الأم. بعد مرور 23 عامًا؛ وفي 10 يناير من هذا العام 2017م، اختاره الشعب الكندي وزيرًا للهجرة والمهجرين.
«الرئيسان (باراك أوباما)، و(يحي جامي)؛ كلاهما من القارة الأفريقية السوداء. الأصول واحدة، وربما هما من قبيلة واحدة. فقط الأول تربى في بيئة عصرية متطورة، ولها ثقافتها المنفتحة إنسانيًا، وتقاليدها الاجتماعية التي تحترم القوانين، وتعمل بالديمقراطية، وترعى العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، ويلتقي مواطنوها عند مشترك واحد هو المشترك الوطني رغم تعدد أجناسهم، وتنوع دياناتهم ومذاهبهم.
«الرئيس الثاني (يحي جامي)؛ ابن بيئته، من مجتمعات تقتتل على الهوية الدينية والمذهبية وحتى القبلية والمناطقية، بيئة ليس في قاموسها لا حوار ولا قانون ولا تسامح أو تعايش مع الآخر لا البعيد ولا القريب. قانون: (إن لم تكن ذئبًا أكلت الذئاب)؛ هو الذي يحكم في كثير من بلدان العالم الثالث المتخلف، ولهذا صعُب على الرئيس (يحي جامي) تسليم السلطة ببساطة لرئيس آخر يقال إنه منتخب، وقد تكشف الأيام القادمة؛ أن هذا المنتخب؛ أتى بانتخابات مزيفة كما تعودنا في عالمنا الذي يكفر بالقوانين، ويحرم الديمقراطية وما يتمقرطون..!!
- هل كان باستطاعة الوزير العربي المسلم: (أحمد حسين الصومالي)؛ أن يصل إلى كرسي وزاري في الصومال؛ وهو الذي اضطر للخروج منها ذات يوم؛ فارًا بجلده من مشاهد القتل وسفك الدماء التي رآها هناك وهو طفل صغير، ثم ظلت حتى اليوم دون أدنى أمل في وقفها..؟!
- سوف تظل الفروق بين عالمنا وعالمهم شاسعة؛ ما دام في عالمنا بسطاء يسلمون عقولهم لأوصياء من السذج والبلهاء، فيقعون أسرى لثقافة الخرافة والدجل.