«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
يعرف الاستثمار المحلي المكون المتمثل في رجال الأعمال السعوديين أو ما يمكن تسميته بالقطاع الخاص المحلي، في المقابل يوجد الاستثمار الأجنبي، وهو المكون المتمثل في الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للمملكة من دول العالم كافة، سواء أكانت فردية أم مشتركة، وتعنى وزارة التجارة والاستثمار بالاستثمار المحلي، فيما تعنى الهيئة العامة للاستثمار الأجنبي، ورغم أن الهيئة تعتبر أحد مكونات الوزارة، إلا إنها تعتبر المسئول الرئيسي عن دعم وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
وعندما نتحدث عن رجال الأعمال دائما ما يتطور النقاش إلى التجار وحماية السوق والضبطيات التجارية وقياس الرضا، والشؤون البلدية والمواصفات والمقاييس والجودة والتقليد والجمارك والضرائب وغيرها من المصالح الحكومية التي تعمل على ضبط إيقاع الشركات والقطاع الخاص عموماً.. وعادة ما تكون هناك مطالب ونظرة لحماية المستهلك، وطلبات لفرض ضرائب ودائما ما تظهر دعوات لمساهمة التجار في المجتمع المحلي، ونظرات متعددة بأنهم يستفيدون من الدولة ببنوكها ومؤسساتها وكذلك من البنية التحتية، وأنهم يجب أن يدفعوا الثمن. أكثر من ذلك، فإننا غالباً ما نفرض على التجار تقديم تخفيضات وخصومات، وأنهم يجب أن يكونوا مع المجتمع في كل قضاياه، بل ونفرض عليهم رعاية الفعاليات والمساهمة والتبرع لكل أنشطة خيرية ومجتمعية.
أما عندما نتحدث عن الاستثمار الأجنبي، فإن النظرة تختلف كثيرا ونبدأ في الحديث عن المحسنات وضرورة طرح المزيد من المزايا والحوافز وأوجه الدعم.. بل يتجه الحديث نحو طرق الدعم الاستراتيجية.. وتسعى الجهات كافة من خلال الهيئة العامة للاستثمار لتقديم التسهيلات الكبيرة والهائلة في كل جوانب الحياة الاستثمارية للمستثمر الأجنبي.. بل يمتد الكلام إلى تقديم كل الخدمات للمستثمر الأجنبي من خلال شباك واحد واهتمام غير عادي، لدرجة أنه يجد استجابة وتفاعلا وهو في موطنه أحيانا من خلال السفارات والقنصليات التجارية.. حيث يجد اهتماماً كبيراً، حتى أن الهيئة العامة للاستثمار بكل فرق عملها وطواقمها تخدم عدداً من الشركات الأجنبية قد لا يتجاوز 13 ألف شركة (حسب إحصاءات سابقة لمركز المعلومات بغرفة الرياض تعود لعام 2014م).
على النقيض، فإن شركات القطاع الخاص السعودية يزيد عددها على 1.3 مليون شركة ومؤسسة يخدمها موظفي وزارة التجارة بعدد لا يتجاوز 2000 موظف (حسب تصريحات وزير التجارة السابق).
بداية، ينبغي تذكر أن الاستثمار الأجنبي يتأثر كثيراً بانطباعات القطاع الخاص المحلي، فرضاه هو المحدد الرئيس لرضا نظيره الأجنبي، لأن كثيراً من الدراسات أكدت أن الاستثمارات الأجنبية تفضل الشكل المشترك في غالبية الأحيان، باستثناء الشركات متعددة الجنسيات أو الاستثمارات الكبرى التي تفضل الاستثمار الأجنبي المباشر.
برنامج الدعم المسبق للاستثمارات
أحد أهم البرامج التي طرحتها الهيئة العامة للاستثمار -مؤخراً- هي برنامج التجمعات الصناعية الذي يعمل مع عدد من الشركاء في القطاعين العام والخاص بهدف: تقديم المساعدة للمستثمرين في قطاعات معينة، تزويدهم بالدعم في مجالات الأبحاث والدراسات المسبقة للاستثمارات، تقييم نماذج الأعمال مثل الاستثمار الأجنبي المباشر والمشاريع المشتركة والعمليات المرخصة، تحديد أفضل المواقع والموردين والموظفين، العمل كنقطة ربط لتسهيل التبادل بين المؤسسات الحكومية والمحللين والبنوك وشركات المحاماة ومطوري العقارات وغيرهم من الأطراف المعنية والموردين، تقييم أهلية الحصول على الحوافز الاستثمارية، وتقديم الطلبات وتعريف المستثمر لدى الجهات الحكومية.
هذه التجمعات مقدمة لصالح المستثمرين، أو لنقل لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية أو لتحفيز رؤوس الأموال والاستثمارات الكبيرة.
لذلك، فنحن نتساءل: فهل هذه البرامج تقدم للمستثمر الجديد أيا كان رأسماله وهو لا يزال «مستثمر محتمل» ولا تقدم ولا يستفيد منها مستثمر وطني قائم برأسمال قائم؟
تقديم هذه البرامج للمستثمرين الجدد جيد ومطلوب، ولكن تقديمها للمستثمرين القائمين يمثل أكثر أهمية، لأنه التمييز قد يتسبب في نوع من الازاحة للمستثمر القائم الذي هو غالبا مستثمر وطني.
التمايز بين رجل الأعمال والمستثمر
أحد الإشكاليات القائمة الآن في كثير من الدول، هي التفرقة بين رجال الأعمال والمستثمرين، فدائما ما يطلق لفظ مستثمر على رؤوس الأموال الجديدة، خاصة لو كانت أجنبية أو بها جزء أجنبي.. أما لفظ رجال الأعمال، فيطلق على القطاع الخاص القائم أو المستثمرين المحليين القائمين.. ودائما ما تكون الأطروحات المحلية والمجتمعية توجه المطالب وتطرح المزيد من التوقعات والتطلعات من قطاع الأعمال، في المقابل تطالب بمزيد من المحفزات وتشجيع الاستثمار.
إلا أن هذه التوجهات تحتاج إلى مزيد من المراجعة مع الأخذ في الاعتبار ما يلي:
أولاً: الاهتمام بقطاع الأعمال المحلي القائم يأتي في المرحلة الأولى التي تفوق في أهميتها أي استثمارات جديدة سواء أكانت محلية أم أجنبية.
ثانياً: الاستثمارات المحلية تفوق في أهميتها الاستثمارات الأجنبية، لأن المحلية هي استثمارات وطنية مستقرة تعمل في موطنها، مقارنة بالأجنبية التي تعمل بشكل ساخن ويمكن أن تعود خلال أجل معين لموطنها الأصلي.
ثالثاً: القضية الأساسية التي تتحدث وتتفاوض فيها معظم الاستثمارات الأجنبية هي قضية تحويل الأرباح والتصفية، لأن خطتها طويلة المدى هي العودة لموطنها الأصلي.
رابعاً: المحفزات المقدمة لأي استثمار أجنبي يجب أن تقدم أولاً للاستثمار المحلي، ولا يجب تقديم أي تسهيلات جديدة للأجنبي غير مقدمة للمحلي.
خامساً: رغم أهمية الاستثمارات الأجنبية، إلا أن أولوياتها تتجلى في أهداف الربحية، مقارنة بنظيرتها المحلية التي تمتلك أهدافاً مجتمعية ووطنية بجانب الربحية.
ما ذكر أعلاه لا ينفي أهمية الاستثمار الأجنبي بقدر ما يضع ترتيباً للأولويات، بحيث يأتي الاستثمار المحلي على رأس قمة الأهمية، يليه الأجنبي.