عبدالعزيز السماري
عند أي محاولة لتقييم علاقتنا مع الغرب، سنكتشف أنها علاقات غير متكافئة، ليس لأسباب اقتصادية أو علاقات قوة عسكرية، ولكن لعامل أساسي وهو احترام الآخرين لنا، ومهما حاولنا تجميلها من خلال أدوات الإعلام أو برتركولات السياسة، فلن تختلف الصورة كثيراً، فنحن نتعامل مع معايير قيم وحضارة مختلفة تماماً عمّا يجري ويُتداول شرق وجنوب ضفة المتوسط.
الاختلاف يكمن في عدة اتجاهات من أهمها مخرجات الأخلاق، فالحرية في أغلب الأحيان تفرز أخلاقيات مختلفة تماماً عن تلك التي يتم تداولها في المجتمعات الشرقية تحت سطوة الاستبداد، والتي تحكمها وتفرزها أخلاقيات السلطة، أو القوة التي تحكم الشارع بشكل مباشر.
بينما تختلف مرجيعات الأخلاق في المجتمعات التي تحكمها الحرية المسؤولة، وأعني تلك التي يحكمها القانون، وتراقبها سلطات المجتمعات المتنوعة، ومنها الإعلام المتحرر من إملاءات السياسة، وفي ذلك تكمن التفاصيل، وتكون أهم أسباب تلك النظرة الدونية..
مختصرها أنه عندما تتعدد وتتضاد المسؤوليات والصراع المقنن من أجل مصالح الإنسان أياً كان، ينتقل محور الأداء الإنساني من حب الذات إلى احترام الذات، وذلك هو بيت القصيد في الاختلاف بين الغرب والشرق..
فحب الذات وعدم الاكتراث لأهمية التزامها تبدو أوضح صورة في مشاهد الفساد المختلفة في المجتمع، وتبدو في كامل زينتها عندما يتحول الفساد إلى أحد وجوه الخير والجاه في المجتمع، وهو ما يعني التشريع الاجتماعي لمبدأ حب الذات المطلق، ولو كان ذلك يمثل صورة بشعة للفساد المالي والأخلاقي.
كان في الأثر إشارات لوعي الإنسان في القرون الأولى بالمال الطيب والخبيث، والطيب هو الحلال أما الخبيث فما جاء بطرق غير مشروعة، ويُقال في الأثر أعطه من أطيب مالي، وفي ذلك اعتراف بأن اكتساب المال من خلال وجوه الفساد لا يمثل الخير والطيب، وقد كان الإنسان في ذلك الزمن يداوي أنانيته بشيء من احترام الذات على طريقة لعل وعسى أن يشفع له اعترافه شيئاً من احترام الآخرين..
بينما في الثقافة الاجتماعية المعاصرة في الضفة الأخرى للعالم القديم طغى حب الذات على احترامه، وصار الفساد أحد وجوه الخير الاجتماعي بشكل غير مسبوق، والسبب تلك الأنانية المطلقة في امتلاك الأشياء من حوله بأي وسيلة كانت.
لعل هذه الصورة تفسر تلك النظرة الدونية التي تبدو ملامحها بوضوح في عيون الإعلام الغربي، فالأنانية الطاغية في الشرق العربي أربكت العلاقة مع الغرب من الاحترام المتبادل إلى عدم التكافؤ في العلاقات، فالأخلاق الطاغية في الشرق العربي أسقط صورة الأنا عند الآخرين.
ربما تفسر هذه المشاهد التراجع المخيف بين العرب على مختلف المستويات، فالهزيمة الأخلاقية تتبعها كل الهزائم، ويدخل فيها الاقتصاد والعلم والقانون، وهو ما يجعل من الوضع العربي في موقع أدنى وأقل احتراماً عند الحديث مع الغرب.
كان تناولها فلسفياً من قبل الحكماء طريق الخروج من عصور حب الذات ونزعة الاستبداد في الغرب، واستطاع ايمانويل كانط أن يشير إلى أن حب الذات، ومن دون أن يكون سيئاً باستمرار، هو مصدر كل شر، وذلك عندما أصبح الفرد القيمة الأساسية في المجتمع، ومعه صار (أناه) وغرائزه قيمة أولى وأعلى.
وإذا كان باسكال قد كتب (الأنا مكروه)، فإن العبارة قد استكملت لاحقاً بعبارة بول فاليري (إن الأمر برمتها يتعلق بأنا الآخرين)، وبعدها تحولت نظرة الآخرين للإنسان مصدراً لاحترام الذات والهدف المشروع من قبل الجميع، وقد صار ضرورة لا بد منها للبقاء في مجتمع يقوم على التنافس والنزاهة.
لهذا علينا معالجة تلك النظرة الدونية من قبل الآخرين لنا، بإعادة اكتشاف احترام الذات، ومصدرها إعادة الاعتبار لنظرات الآخرين للإنسان النزيه، من خلال تجريم صور الفساد، ومن أهمها سرقة المال العام، أو الإخلال بمبادئ النزاهة في العلاقات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية..
ولو فعلنا ذلك فقط لاختلفت موازين العلاقة مع الغرب، ولكان لنا مكاناً بين الأمم في معايير الشفافية والنزاهة، ومن يهن يسهل الهوان عليه.. والله ولي التوفيق.