خالد بن حمد المالك
دخل الإعلام -الصحافة تحديدًا- بأمر من ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -الملك فيما بعد- طرفًا في تحصين الجبهة الداخلية بالمشاركة مع الأجهزة المعنية بالمخدرات، وأصبح تناول هذه القضية متاحًا للصحافة ولباقي وسائل الإعلام، بالتحليل والنقد، ونشر المعلومة، وإبداء الرأي، وتسليط الضوء على كل ما له مساس بآفة المخدرات من تصنيع، وبيع، وتهريب، وترويج، دون أن يكون هناك من حرج في ذلك.
* *
غير أن ما هو مطلوب إعلاميًّا لمواجهة هذا الوباء أكثر بكثير مما يتم الآن، وأن على الإعلام أن يكون حاضرًا بكفاءة وكثافة، وبالقدر الذي يتناسب مع تنامي وتفشي المخدرات في البلاد، وانتشارها بين الشباب، وبما يساعد على كبح أدوار المخربين في إغرائهم الشباب لتعاطي ما يهربونه من مخدرات بمختلف أنواعها وأشكالها وتفاوت حجم تأثيرها وخطورتها.
* *
فقد كنا -زملائي في صحيفة الجزيرة وأنا- في زيارة لمقر الأمانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات (نبراس) الأسبوع الماضي، حيث التقينا أمينها العام الأستاذ عبدالإله الشريف وكوكبة من القيادات الشابة في اللجنة، وقمنا بجولة على أجنحة خصصت لعرض بعض المضبوطات، وعينات توضح الأساليب التي يستخدمها المهربون في تمرير بضاعتهم، وهالنا ما رأينا من قدرة المهربين على التنويع والتجديد والابتكار في محاولاتهم لإخفاء أخطر أنواع المخدرات عن عيون المراقبين.
* *
كما أثار انتباهنا بكثير من الإعجاب ما استمعنا إليه من المسؤولين في (نبراس) عن البرامج والخطط والعمل المنظم الذي يقومون به مع جهات أخرى كثيرة في حربهم ضد المروجين والمهربين، وتصديهم لكل الحيل التي يمارسونها للهروب من الرقابة والمتابعة، وتركيز اللجنة الوطنية على التثقيف والتوعية والتدريب، وإقامة الملتقيات عن خطر المخدرات، ضمن هذه المواجهة أمام موجات التهريب، وتزايد أعداد المهربين، واستخدام أساليب جديدة ومبتكرة لتمرير ما يمكن تمريره من المخدرات.
* *
في الزيارة تعرفنا -أيضاً- على أن شركة سابك الرائدة تكاد تكون الشركة الوحيدة من القطاع الخاص التي تدعم بقوة برامج (نبراس)؛ ما آثار تساؤلاتنا: أين إسهام البنوك والشركات الكبرى؟ ولماذا غاب دورها؟ ومتى تستشعر بمسؤوليتها في مقاومة حرب قذرة، تمس أبناء الوطن، بما لا مجال لتخليها عن إسهام يتناسب مع خطورة هذه المرحلة التي يتنامى فيها تهريب المخدرات إلى المملكة، رغم ما يقوم به سلاح الحدود والجمارك وأجهزة المخدرات ورجال الأمن وغيرهم في التصدي لهم في الداخل وعلى الحدود؟
* *
ماذا يمكن أن نقول بعد أن رأينا رأي العين مستوى العمل في المشروع الوطني للوقاية من المخدرات، كاستحداث تطبيق نبراس، ونجوم نبراس، وأكاديمية نبراس، وسفير نبراس، وغيرها من الابتكارات والتطبيقات، وجميعها من أجل تقديم رسالة للجميع عن الاستعدادات المتواصلة لحماية الوطن من آفة المخدرات التي تُعد واحدة من أخطر الجرائم؟
* *
تجربة المملكة في مواجهة هذا الدمار أخذت سمة الريادة والتفوُّق والجاهزية وتراكم الخبرات؛ ما جعل دولاً أخرى كثيرة على مستوى العالم تحاكي المملكة في ذلك، وتطلب منها إفادتها وتزويدها بما يساعدها في مقاومة تهريب المخدرات في تلك الدول، سواء تلك التي تكون لدى المديرية العامة لمكافحة المخدرات، أو ما هو في حوزة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، وكلتاهما تملك مخزونًا من التجارب والخبرات التي تم اكتسابها من خلال التعامل عن علم وفهم واستيعاب وتصدي هؤلاء الرجال الشجعان لهذا العدو الشرس.
* *
السؤال: هل انتهت المعركة مع هؤلاء المجرمين، وبالتالي ينبغي أن تتوقف الحرب؟ أقول «لا»؛ لأن المجتمعات فيها نفر من غير الأسوياء، وبين صفوفها عدد من المجرمين، وهناك من يندفعون إلى هذا العمل السيئ بحثًا عن المال، ولو على حساب صحة الناس، فضلاً عمّن تدفعهم الدول لأغراض سياسية؛ ما يجعل هذه الظاهرة باقية ما بقي الإنسان. والمهم أن يكون الجميع شركاء في هذه المعركة ضد هؤلاء المجرمين، وأن تدار الحرب بالعلم والوعي والتدريب، وأن يتم دعم هذه الحرب بالمال، بوصفه إسناداً مهماً وضرورياً في هزيمة المروجين، وعلى الجانب الآخر الاستمرار في مساعدة المدمنين في تجاوز أزمات تأثير تعاطيهم المخدرات على صحتهم وعقولهم.