رجاء العتيبي
بكل وضوح يمكننا القول إنّ ترامب جاء بمفاهيم جديدة في الدبلوماسية مغايرة تماماً لما اعتاد العالم عليه منذ قرون، ذلك أنه نزع الغطاء الذي يخفي الوجه الآخر لأفعال وأقوال السياسيين, وكشف للجماهير ما يفعلونه من خلف الباب, كسر مفاهيم العلاقات العامة, وقوانين السياسة.
وقال بكل وضوح: هذا أنا، وهذه قراراتي, وهذه سياستي, وهذه اتفاقياتي, وهذه خطتي، وهؤلاء حلفائي, وهؤلاء خصومي, قالها ولم يخش أحداً، من رضي رضي, ومن غضب غضب, لا مجال للمجاملات, ولا مجال لضياع الوقت, حدد وجهته في أنّ (أمريكا أولاً) بدأ في تنفيذ وعوده الانتخابية بكل جدية وبشكل عملي, قال: «لا» لمن يرى أنه يستحقها، وقال : «نعم» لمن يرى أنه يستحقها.
هنا تحديداً ستكون لعلوم السياسة والعلاقات العامة والعلاقات الدولية منحى آخر, فبعد ترامب, ربما تحتاج أن تغير الجامعات كراساتها وكتبها وبحوثها, لتقول إن هذه العلوم التي باتت ككتب مقدسة في قاعات المحاضرات, ستكون شيئاً آخر بعد ترامب, ستتغير إلى مبادئ جديدة تعطي للوضوح والصدق والعمل والقرار أهمية غير ما كانت عليه.
الدبلوماسية باتت غير مجدية في زمن يتسارع ويتغير بالدقيقة, والعلاقات العامة انكشفت مع قنوات التواصل الاجتماعي والعلاقات الدولية باتت متغيرة مع كل حكومة تأتي, لا ضابط لهذه العلوم في القرن الحادي والعشرين, هذه بدايات جديدة في عالم السياسة يقودها الرئيس الأمريكي الجديد ترامب بكل طموح وعزيمة وجدية.
يقول المهاتما غاندي: «في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر» انتهى.
وفي - تقديري - أن انتصار ترامب ليس انتصاراً سياسياً فحسب, بقدر ما هو انتصار في تأسيس مفاهيم جديدة في عالم السياسة والعلاقات العامة والعلاقات الدولية, بالقدر الذي تصبح القيم السابقة لهذه العلوم غير مجدية, بل ساذجة في زمن يدعو أن تكون واضحاً أكثر مما يكون لك ألف لون وألف وجه وألف مبدأ.
ويؤكد ترامب ذو العقد السابع أن العمر المتقدم لا يعني (الخريف) ولا يعني أنه غير قادر على الإتيان بالإبداع والتميز، ولكن يمكن له أيضاً أن يأتي (بنظريات) جديدة تقلب الموازين وتعيد قراءة الحراك السياسي بخلاف ما كان عليه, وبشكل يعطي للنتائج أهمية خاصة, فلا مجال لضياع الوقت في خطابات تقول ولا شيء، وزيارات مكوكية مليئة بالفلاشات واجتماعات متكررة تقرأ كتاب ألف ليلة وليلة.
الظاهر لنا وحتى كتابة هذا المقال، أن ترامب سيكون متابعاً بشكل جيد من مراكز الدراسات والبحوث, فربما توصلوا إلى نظريات جديدة في العلوم الدبلوماسية تقلب ما كان سائداً, وسيكون ملهماً لكثير من الأجيال الجديدة الذين يعملون في هذا الحقل.