إبراهيم عبدالله العمار
علينا أن نقلق الآن من هذه الظاهرة: صرنا لا نستخدم أدمغتنا.
لقد عطلناها. إذا أردنا أن نحسب شيئاً صرنا نستخدم الآلة الحاسبة في الهاتف المتنقل. إذا رغبنا أن نصل لمكانٍ ما – حتى لو كنا نعرفه – اعتمدنا على برنامج الخرائط. إذا احتجنا معلومةً ما ولو كانت شائعة فلا نحاول استذكارها بل نبحث عنها في الإنترنت. حوّلنا المخ – هذا الشيء المدهش في قوّته وقدراته – إلى شيء مرفه بليد وحببنا له الكسل والخمول.
هل أنت توفر مخك لشيءٍ ما؟ هل تحاول أن تريحه من التفكير لكي يتفرغ لمهام أخرى كبيرة؟ لا تفعل هذا، فمخك يستطيع أن يسجل المعلومات باستمرار، ومن أمارات ذلك الأحلام اليومية، فما الحكمة منها؟ من مهمات الأحلام ترسيخ المعلومات في الذاكرة كما يقول نيكولاس كار في كتابه «شالوز»، وإذا تأثر النوم تأثرت الذاكرة. مطاطية المخ – أي قدرته على تشكيل وصلات عصبية جديدة – فيها رد على الذين فرحوا بالحاسب، لأنه سيريح المخ من عملية استذكار الأشياء الكثيرة، وأنها تفرغ المخ وتجعله لا يحتاج أن يتذكر أشياء كثيرة كي يستخدم تلك المساحة في أشياء أخرى أهم، لكن تشبيه المخ بالحاسب خطأ، فتُظهر التجارب والأبحاث أن المخ أفضل وأعقد من الحاسب.
نيلسون كوان خبير الذاكرة في جامعة ميزوري يقول: «عكس الحاسب، فالمخ لا يصل أبداً لمرحلة لا يقدر فيها تسجيل التجارب كذكريات، المخ لا يمكن أن يمتلئ». إنّ كمية المعلومات التي يمكن تخزينها في الذاكرة طويلة المدى لا حدود لها ! تجارب أيضاً أظهرت أن كلما زدنا ذكرياتنا صار المخ أكثر حدة، وهذا شيء مبشّر، فأنت لا تجهد مخك كلما حفظت النصوص واللغات والآيات بل لا تزيده إلاّ قوة، واعلَم أن عملية الاستذكار في حد ذاتها تغير المخ بحيث يكون أسهل عليه تعلم أفكار ومهارات جديدة، وأيضاً عملية التذكر تصنع عمليات جديدة في المخ وليست مجرد استعادة معلومات مباشرة كما في الحاسب، بل تحصل عمليات بيولوجية، فالذاكرة في عملية تَجدُّد دائمة، ويحصل توليد بروتينات لصنع محطات وصلات عصبية جديدة، وهذا فقط في عملية التذكر (البروتينات ضرورية لتشكيل الذكريات).
مخك يتمنى منك أن تستعمله بكثرة في كل شيء ممكن ليزداد قوة .. لا تخيِّبه.