م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. قال لي صديقي وهو يشكو أوجاعه: لقد أقبل شتاء العمر وبدأت بعض أوراقي تتساقط: فالبنكرياس توقف عن ضخ الأنسولين، والضغط عالٍ، والقلب لم يعد ينبض فقط بل صار كالطير المذبوح في خفقان دائم، والركبة لم تعد تنثني، والظهر يئن من آلام العمود الفقري، والأذرع فيها تنميل، والمعدة لم تعد تحتمل تبدل الغذاء، والجسم يؤذيه تبدل الأجواء.. والخافي أعظم.. مزعجة أوجاع الشيخوخة مع روح مثقلة بالهموم.. يالهذا الإنسان يطول به الأمل كلما تقدم به العمر فيفقد راحة البال!.
2. في شتاء العمر ويل لمن تُنَغِّص الشكوى حياته.. وياله من مسكين بائس.. ففي شتاء العمر يكفي أن تعاني من هبوط صحتك، وشيخوخة جسدك، وإنهاك أعضائك التي تبدأ بالضعف ومن ثم السقوط عضواً عضواً حتى تؤول إلى قبرك.. وأن تزيد عليها هموم أبنائك ومجتمعك ووطنك وأمتك فهذا تكليف يفوق طاقة الإنسان.. ولا يصبح أمام الفرد سوى الإذعان والانسياق أو الإصابة بالإحباط المهلك الذي يولد ألماً وحزناً شديداً ونقمة وغضباً.. فتكره الحياة وتسأم العيش فيها.
3. مسكين من فقد أحد أبنائه في حياته أو مرض أو انحرف أو فشل في الدراسة أو العمل.. فسوف يحمل همه وهم ابنه معه.. تماماً كما هو مسكين من في شتاء العمر دخلت بلاده حرباً أهلية طائفية أو مناطقية تجعل القتل على الهوية مباحاً.. فتُوقف الحياة وتهدم أركان المجتمع وتُفَرّق أبناءه وتعطّل أعماله وتعرقل التنمية وتدمّر مكتسباتها.
4. في شتاء العمر كل شيء في الإنسان يتضخم: النفس والخاطر والهموم والبروستات.. فانشغال الأبناء عن الوالدين تتضخم شرهته في نفوسهم حتى يوجع ويبلغ حزنهم عليه كما لو كان الابن مريضاً.. ولا يفوقه في الوجع إلا الفقد.
5. مسكين من عاش شتاء عمره وحيداً.. يالها من وحشة يضيق بها المكان بل يضيق بها الزمان فتتحول الحياة إلى سجن كبير.. ينتظر فيها الإنسان الموت لإطلاق سراحه.