د. خيرية السقاف
انتحيت جانباً من حجرة تعجُّ بهم, كنت للتو قد أدلفت بكوب الشاي أنشد الهدوء..
شدّني الحماس فيهم, فإذا بهم الصغار يسكتون, هدوء مفاجئ, وعيونهم تتجه لشاشة التلفاز, البرنامج للأطفال, عجبت لهذا الاندماج الجمعي بينهم في متابعته..
ذهبت معهم أتابعه, مع أنني كنت بحاجة ماسة لاستراحة فاصلة, وأعود إليه..
تحمست كثيراً لمضمون استطاع أن يجذب انتباههم, وابتساماتهم, وهم بشغف يشاهدونه ,
وذهبت للتفكير في قدرة القناة ببرنامجها الموجّه للصغار من تحقيق هدفها منه, بالاستحواذ على كامل شعورهم, وتركيز اهتمامهم, وتسخير حواسهم , وفرحت أن يكون للإعلام توجُّه فاعل نحو الصغار، فلعله أن يكون بهدف ذي مضمون بنائي, ترفيهي تعليمي, أو ترفيهي تربوي, يحمل تفاصيل مباشرة, وغير مباشرة تتصدى لقيم يحتاجها الصغار, ويوجّه لمسالك ينبغي أن تندرج لتوجيههم نحو القيم باختلافها, والتمهيد لغرسها, والبسط للتدريب عليها, والترغيب فيها,
فإذا به يكرس للرغبة في النجومية الغنائية..
ففيه قدمت نجمة في الصف الرابع الابتدائي, ارتدت ملابس بيضاء وتاجاً وردياً أبيض رمزاً للنجومية تجلس للمساءلة عن طموحها, وتقدم بصوتها أغنية أو نشيداً, فيه مجموعة من الصغار يمثلون الجمهور المشاهد المستمع, المعجب الراغب في الاقتداء, والنجمة الأولى يجري معها مقدم البرنامج لقاء كل ما قدم فيه من أسئلة إليها كانت تكرس على مفهوم» النجم» , والبرنامج ذاته يحمل الكلمة بالإنجليزية , إذ بين إجابة وأخرى تأتي منها يطلب منها تقديم مقطوعة بصوتها , وكما كان يصغي إليها بقية الصغار في البرنامج, كان يصغي إليها من حولي مثلهم..
الشاهد أن بعد انقضاء البرنامج تحرك منهم من حاول تقليدها, وهذا هو محور الفكرة..
إذ من حيث تواضع اللقاء, ومضمون البرنامج, وإمكانية أن يكون في حلقات أخرى يعرض لنجومية أخرى مختلفة في المضمون, إلاّ أنه نموذج حي لتأخر الأهداف في مثل هذه البرامج الفضائية وهو يحذو حذو برامج الكبار التي تكرس للنجومية في مجال الغناء والطرب في الأجيال القادمة حين تركز عليها تحديداً, وتبذل لهذه الغاية ميزانيات ضخمة لعلها لو قسمت للعديد من مشاريع علمية , وبحثية, وتربوية, وتجريبية, لغيرت من الخريطة فاستبدلت مواقع قطع الشطرنج لتتصدر نجومية المبدعين , والمبتكرين والمخترعين, والصناعيين, والاقتصاديين, والعلماء في مختلف غايات نهضة الأمة العربية, وأوطانها, بدل أن تخدر هممهم مضامينها, والتوجه الإعلامي إليها, والتوجه لجذب الانتباه لها, وهي تحصر نماذج النجومية في مجال الطرب, والغناء وما بعده, ومن ثم تكرس في برامج الصغار للغاية ذاتها.
أعتقد أنّ مسؤولية وزارة الإعلام أن تتصدى بقوة لخطط برامج الأطفال في القنوات جميعها التي تحت إشرافها، لتكون مواكبة لتطلعات المستقبل في ضوء معايير التطور, والإضافة, والحاجة بهما إلى نشأة عناصر جادة بانية قادرة على تجديد أساليب الحياة بامتداد الفكر, وتأسيس المعرفة منذ وضع اللبنات الأول لفكرهم, وميولهم, وطموحهم. والموازنة بين الترفيه والتكوين, أي بين الاكتساب والإفراغ, والجدية والترويح.
فالصغير كما الكبير تشده الأصوات الجميلة, وتستميله المضامين الملونة, لكنه بالتأكيد سيجدها مثرية حين تكون وسيلة للامتداد المثمر.