موضي الزهراني
بعد سنوات من المطالبات الحقوقية من أجل حماية الأطفال، وبعد تزايد حالات العنف الموجَّه ضد الأطفال، خاصة أطفال النزاع الأسري! بدأ القضاة - ولله الحمد - يدركون مدى خطورة الحكم النهائي للآباء بحضانة الأطفال دون معرفة للظروف الأسرية المحيطة بأوضاع الأب، خاصة إذا كان متزوجًا من امرأة أخرى، قد تكون رافضة لوجود هؤلاء الأطفال. وهذا بجهود واهتمام من وزير العدل معالي د. وليد الصمعاني -حفظه الله-. وبلا شك، إن القضاة لا يمكن لومهم مبدئيًّا، خاصة ممن يتشدد في تطبيق الأحكام الشرعية المبنية على الآيات الكريمة، أو الأحاديث النبوية، خاصة فيما يتعلق بهذه الحالات، فإن الحديث «أنت أحق به ما لم تنكحي» مربوطًا بأن زواج الأم يلغي حقها في حضانة طفلها ورعايته، لكن لم يلغِ حقها في رؤيته أو زيارته لها على فترات متقاربة حفاظًا على ثبات واستمرار العلاقة العاطفية مع ابنها، خاصة أن كثيرًا من الآباء يستغل هذا الحكم في حرمان الأم من أطفالها، وإهانتها، وإلغاء حقها كأم في التواصل معهم عقابًا لها على زواجها الثاني! كذلك هذا الحديث يحمل رسالة عظيمة بأن الأب هو المسؤول عن رعاية طفله والاهتمام به في زمن كان الآباء حريصين جدًا على توفير الأمان النفسي والأسري لأطفالهم! ولكن مع اختلاف الأزمنة وتغيرها، وسيطرة الحياة المدنية والمادية على حياتنا، تغيرت الاهتمامات الأسرية والأبوية؛ فأصبح كثير من الآباء مشغولين جدًّا بمتطلبات الحياة، وترك أمور الأسرة وتربية الأطفال ومتابعة شؤونهم الدقيقة للخادمات أو لزوجاتهم! مما تسبب في تعرُّض الأطفال لصور مختلفة من التعنيف والتعذيب الذي أساء لطفولتهم، وأدخلهم في دائرة من الحرمان والإهمال وهم يعيشون تحت مظلة ورعاية آبائهم! هذه النماذج من الأطفال المعنفين أمانة في أعناق كل من يعلم بحالهم، ويرفض التدخل لإنقاذهم، سواء من أفراد الأسرة المقربين لهم، أو من إدارة المدرسة المطلعة على أحوالهم الأسرية، أو من وحدات الحماية التي قد تتأخر أو تؤجل التدخل في السحب والإيواء حسبما يشير له نظام حماية الطفل، أو من الفريق الطبي المعالج للحالات المتقدمة في التأخُّر بالتبليغ كحالة عنف، أو من رجال الشرطة في التفاعل السريع مع اتصال أي أُم تطالب بحماية أطفالها! أو أخيرًا من القضاة الذين لا يتقبلون تقارير الحماية الاجتماعية ومقترحاتهم العلاجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة أي طفل متعرض للتعنيف من داخلسرته! وجميع هذه الجهات مسؤولة أمام الله عن الحد من العنف الموجَّه ضد الأطفال؛ لأن كل ساعة أو يوم من الزمن يعيشه الطفل محرومًا من أقرب الناس له، وفي الوقت نفسه يتعرض للعنف، لا يمكن تجاهل أثره النفسي والمرضي على شخصيته! ولا يمكن أن تتوقعون دوره المباشر في تكوين السلوك العدواني، وثباته لديه مستقبلاً! وبالتالي يكون الكل شريكًا في زيادة إنتاجية شخصيات عدوانية مضادة للمجتمع، تكلف الدولة الملايين لمعالجتها خوفًا واتقاء من شرها على الأمن الوطني!