د. عبدالحق عزوزي
ضمن البرنامج الثقافي المصاحب لفعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 31» نظمت ندوة بعنوان «مهددات النظام الإقليمي العربي» شاركت فيها بورقة مع كل من الدكتور معتز عبد الفتاح من مصر، والدكتور عبد العزيز بن صقر، من السعودية، والدكتور خالد الرويحي من البحرين، والأستاذ علي الأمين، من لبنان، وأدار الندوة الأستاذ محمد رضا نصر الله.
والموضوع من المواضيع الحساسة والجديرة بأن يتوقف عندها الخبراء، لأنه كانت هناك محاولات كثيرة أطلقت في القرن الماضي لتحقيق الاتحاد العربي من أهمها إقامة جامعة الدول العربية، والتوقيع على العديد من الاتفاقيات والشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف كاتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة وخلق بعض التجمعات دون الإقليمية كاتحاد المغرب العربي؛ ولكن معظم جوانب منظومة العمل العربي المشترك باءت بالفشل الذريع مما يجعلنا نتساءل: هل الأمة العربية لها من الديناميات ما يدفعها إلى تشكيل وحدة إقليمية متماسكة على شاكلة الاتحاد الأوروبي مثلا؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا خفقت في تحقيق الوحدة؟ بعض المحللين يرجعون مصدر العلة إلى بعض العوامل كالصراع على الزعامة والنفوذ بين القيادات العربية والنخب، والاختلاف في حجم المعطيات الاقتصادية بين الدول العربية، والتباين الكبير في نظم الحكم والإيديولوجيات وتنامي النزاعات الوطنية المرتبطة بالدول القطرية إلا أن هذا النوع من التفكير يبدو لنا خاطئا ولا يسمح لأي حصيف قارئ أن يحقق فيه أي تقدم معرفي...
فهناك اليوم شرخ كبير يصيب هياكل العمل العربي المشترك وينخر أسس مردوديته مقارنة مع الأنظمة الدولية الأخرى، وهناك حالة من الترقب لما سيقع اليوم قبل الغد؛ والترقب في مجال العلاقات الدولية مسألة خطيرة جدا لأنها تمنع من التحرك وتترك المهددات تتكاثر وللأعداء مساحة كبيرة للمناورة والتأثير.
في مداخلتي تطرقت إلى موضوع الجهاديين، حيث تتداخل عوامل داخلية وخارجية تدفععهم للاصطدام بكل آليات المجتمع... وهم الآن في دول كليبيا وسوريا والعراق يصدرون فتاوى يشنون فيها حروبا على كل عقل سياسي ومجتمعي متحرك إلى أن وصلت أمصار إلى حالة «اللادولة»؛ كما تطرقت إلى موضوع الإيرانيين الذين يقصدون من وراء تدخلاتهم في المنطقة إلى تقويض التحول السياسي في العراق وسوريا واليمن ولبنان. فظهر الجهاديون باسم الإسلام السني وظهرت الميلشيات المتأيرنة، واشترك الطرفان الجهادي السني والجهادي الشيعي المتأيرن في وقف عجلة الحياة السياسية في تلكم البلدان. هذا دون نسيان أن تفتت بعض البلدان كالعراق كان نتيجة لمشروع وطني أراد الفاعلون في المجال السياسي قيامه على مشاريع طائفية فكان مدفنه من هذه المشاريع الطائفية، والطائفيات لا تبني وطنا ولا دولة مدنية وإنما تبني خرابا وعقابا وثأرا واقتصاصا وتهميشا للخصوم ونهبا للثروات وتفردا بالسلطة وحربا أهلية، وتولد فآت ضالة ومضلة كداعش وجبهة النصرة والقائمة تطول... والذي أخاف منه على المدى المتوسط ليس فقط هو كيفية القضاء على داعش أو الإطاحة بالأسد ولكن كيف لا نخرج على «قاعدة قبول الآخر» لأن ترميم الأوطان من أصعب المسائل وأعقدها، واندمال الجرح قد يحتاج إلى أجيال في حالة اللادولة والانقسام والتفتت الماسكة بخناقها...
كما بنيت محاضرتي على فكرة أساسية مفادها أن أي نظام أو منظومة جهوية أو إقليمية تحتاج إلى دولتين أو ثلاثة أو أربعة لتقود العمل المشترك، وهذه قاعدة محورية في نجاح كل الأنظمة الجهوية والإقليمية... فإذا استقرأنا تاريخ الاتحاد الأوروبي مثلا، سنجد أن هذا الاتحاد المكون من 28 دولة ما كان ليكتب له النجاح لولا تواجد دولتين محورتين أساسيتين تقودان العمل الأوروبي المشترك منذ البداية، وهما فرنسا وألمانيا: انتخاب البرلمان الأوروبي بالاقتراع العام المباشر وخلق نظام الوحدة الأوروبية سنة 1979 كانت بتحريك من الثنائيين الألماني هيلموت كول والفرنسي فاليري جيسكار دستان؛ كما أن الثنائيين هيلموت كول وفرانسوا ميتران خلقا المستحيل للاتحاد الأوروبي (خلقا السوق المشتركة، خلقا شينغن، وخلقا العملة المشتركة، كما خلقا السياسة الخارجية والدفاع المشترك، والمواطنة الأوروبية) كما أن الثنائيين جاك شيراك وجيراد شرودر خلقا نظام السياسة الفلاحية الموحدة ناهيك عما قام به ساركوزي ومن بعده فرانسوا هولاند مع الألمانية ميركل لإنقاذ العملة الأوروبية من الانهيار وإنقاذ اليونان من الإفلاس.... ودول المنظومة العربية، رغم الانقسامات وفشل بعض الدول التي تمر بمراحل صعبة في تاريخها، يجب أن تأصل لهذا النوع من المحورية لتسيير وتوجيه النظام العربي إلى بر الأمان.