تداولت مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي تقريرًا إخباريًّا، أعده الأستاذ سالم الراجح، عن الأديب (جار الله بن يوسف الحميد) لقناة العربية.
وكان اللقاء لافتًا ملهمًا لشخصية غير عادية قياسًا بزمن اشتهارها الذي جاء في منتصف السبعينيات.
اللقاء العابر ركز بذكاء على عبارات زادت نهم المتابع لمعرفة المزيد عن هذا الرجل الذي ترك الساحة؛ لأنه يعتقد أن ما يكتبه لم يعد مغريًا.
لفت انتباهي حديث الأديب القاص الشاعر الحميد عن حالته الشعورية وهو يكتب ويصف - بما لا يدع مجالاً للشك - وصفًا دقيقًا يعرفه كل من يسكب على حروفه مع الصدق شيئًا من روحه.
أين كنا منه نحن الجيل الذين كان يلتهم القصص والروايات القادمة من وراء الحدود وقلة قليلة من إبداع كتاب الوطن الذين بالكاد نرى لهم نتاجًا في مكتبات المدارس حيث كنا نقرأ بنهم؟
أين كنا من: (أحزان عشبة برية) و(رائحة المدن)؟!
هل كان كثيرًا على كتاب الوطن أن تضع وزارة الثقافة بالتعاضد مع وزارة التعليم مؤلفاتهم في مكتبات المدارس؛ لتُقرأ في حصص الفراغ؟! وهل الوزارة الآن تداركت الخطأ القديم، وعززت مكتباتها بنتاج الأدباء والأديبات السعوديين؟!
أما أنا وحتى أكفّر عن جهلي بهذه الشخصية العظيمة، بعيدًا عن غسله علي غرار من انتهجوا نهج (وكل يدعي وصلاً بليلى)، فقد بدأت عملية البحث عن أديب اشتُهر قبل مولدي، ولم أقرأ له إلا بعد أن صرت أستاذة جامعية، بعد لقاء ندين لصاحبه بالفضل الكبير، ونقول له: شكرًا سامقة أيها الصحفي الشريف.
وقبل أن أختم أترك بقية سطوري لنص من إبداع هذه القامة الأدبية التي تستحق أن نعيد قراءتها من جديد. أترككم مع هذا النص الذي وجدته على موقعه الرسمي بمنزلة تعريف وسيرة روحية مختصرة بعنوان (قليل من الحزن يبهج القلب):
(ها أنا أستيقظ مرة أخرى مليئاً بالهزيمة.
منذ هجرة قحطان الكبرى وانقسامها، ومنذ الإبل والخيام، ومنذ الصعاليك والعيّارين أستيقظ مثل «رامبو» الذي لخص وجعنا بـ «حينما استيقظت كان العالم: في الظهيرة!»، موجوعاً كأي عربي كان يحلم. قبل أن يكون الحلم تهمة وموضع ظن! منذ شجر أيلول ـ وورقه الأصفر.
وأنا أذوي وأشيب ويتجعد قلبي. الهزيمة نكراء وقاسية، والرجال يضعون (شمغهم) على وجوههم. و(التكسيات) تمخر عباب الأسفلت، والسفر هويتي، ورمزي.
الدروب المديدة.
السماوات التي بعضها يتهاطل على جسد (الجامبوجيت)
وأذكر دهشة الطفل الذي أخبئه داخلي عندما رأى بومباي فجراً، حيث يتمايل شجر الأناناس والنخيل والورد تحت ضرب المطر.
انتشيت وقلت لصاحبي إنك ستتأسف إذا تذكرت هذه المسافة من دون أن تخط فيها خطين (اسمك واسمها) وترسم قلباً يقطر منه شيء ويخترقه سهم العشق..
- لمَ لا تتذكر الأزمنة الجميلة والمعطاءة؟!
تذكر أنك غريب، وأن الوطن الذي تبتهج بملاعبته المطر هو وطن ليس وطنك!
- إن قليلاً من الحزن يبهج القلب الذي يتشظى بجراحه المفتوحة، وإن الشوارع ليست مهمتها أن تحافظ على توازنك!
قم أنت بذلك!
وعندما نادى المنادي بغرفتي أن لي زواراً فوجئت، وبالكاد لملمت ثيابي ونزلت. وعندما أشار رجل جهة الخارج عرفت أن صديقي غادر، وأنه جاء فقط ليترك لي أغراضي الشخصية جداً.
فرحت بأنني انعتقت منه، وعكفت على تدبر أمر الزاوية، غيرتها ثلاث مرات، ولم تكن الرابعة سوى هذه التوليفة التي أرجو أن تستمتعوا بها ولو على سبيل رفع روحي المعنوية).
- د. زكية محمد العتيبي
zakyah11@gmail.com