قاسم حول
موقفان يحاصران مخرج فيلم «ريشيبا» والتي تعني باللغة الكردية «الرياح السوداء» لمخرجه الكردي حسين حسن وهو يتحدث عن مجرزة تعرضت لها الطائفة الأزدية في العراق في منطقة سنجار شمال العراق من قبل ما يسمى «داعش» جند الخلافة الإسلامية. الموقف المعارض الأول للفيلم هم أبناء الطائفة الإزدية نفسها، التي رفضت معالجة القصة للطائفة والمجزرة التي حصلت لها في سنجار، والموقف المعارض الثاني يأتي من أمريكا حين رفض ترامب استقبال العراقيين لدخول أمريكا فتعذر على المخرج وهو عراقي الأصول السفر إلى المهرجان في ميامي، وهو أيضا نوع من الاحتجاج على قرار الرئيس الأمريكي «ترامب» لمنع سفر العراقيين حتى وأن كانت زيارتهم حضور مهرجان سينمائي. والمخرج من أصول عراقية كردية مع أن الفيلم جاء بتمويل منتج كردي يقيم في ألمانيا فتعبر هوية الفيلم قانونيا هوية ألمانية، حيث الإنتاج والمنتج والمخرج في ألمانيا. وتحكي قصة الفيلم هجوم «داعش» على قرية أزدية فيهرب أبناء القرية وحوصرت مجموعة من الصبايا، فاختفين في كهوف الجبال، لكن الدواعش يعثرون عليهن، ويقتادوهن كأسيرات حرب ويتم بيعهن للأثرياء والحصول على أموال .. بطلة القصة هي «بيرو» الأزدية وهي على علاقة عاطفية مع شاب هو «زيكو» الذي يناضل لاستعادة حبيبته وينجح في استعادتها، ولكن يصعب العودة إلى منطقة سنجار وتذهب الصبية وصديقها ليعيشوا ضمن مخيمات اللجوء داخل العراق.
بغض النظر عن موضوع الفيلم وصيغته التي قدم فيها المخرج الكردي موضوعا حيويا وإنسانيا، ولكن موقف الرقيب الاجتماعي في جانب والموقف السياسي الأمريكي في جانب آخر شكلا سياجين يحاصران المخرج وإبداعه في وقت يحتاج فيه العالم لكي يرى بعينيه جرائم الإرهاب، حتى يتخذ الموقف العادل منها. السينما هي كشف للواقع وللحقائق الاجتماعية كي تأخذ العدالة موقفها مما يحصل على الواقع سيما الحيف الذي يلحق بالمرأة وبالصبايا الصغيرات في هذه الدنيا!
جريمة «داعش» في تصوري لا تقل شأنا عن الجهات التي تحول دون وصول الفيلم للجمهور الأمريكي، والاستماع إلى المخرج وظروف إنتاج الفيلم. من غير الممكن أن نسقط المواقف السياسية على الثقافة والمثقف وعلى الثقافة السينمائية بشكل خاص، سيما وأمريكا هي مدينة هوليوود السينمائية التي رفدت العالم بأجمل ثقافة مرئية ستبقى خالدة على مر الأزمان، فأمريكا هي هوليوود قبل أن تكون أمريكا السياسة أو انتخابات الرئاسة! أظن أن الموقف يحتاج إلى وجهة نظر مختلفة تتخذها الإدارة الأمريكية، وسوى ذلك فإن التصفية المكارثية للمثقفين الأمريكان في الخمسينيات تتساوى مع قرار منع دخول المخرج الكردي لأراضي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي شكلت تلك التصفية المكارثية وصمة عار في الحياة الأمريكية، والتي أنتجت هوليوود نفسها فيلم «الجبهة» عن تلك السنوات السوداء التي حصلت فيها التصفية المكارثية وأدانتها .. لكنها، تتكرر اليوم بشكل ثان .. ونأمل أن لا تتكرر، لأنها «إذا تكررت الحادثة في التاريخ مرتين، فإنها في المرة الأولى تأتي على شكل مأساة، وفي المرة الثانية تأتي على شكل مهزلة»!