(1)
عندما يقول الألمان إن فلانًا شاعر يقصدون - بلا شك - أنه ملهم.. فالألمان اعتادوا على تسمية كافكا شاعر رغم أنه كاتب روائي وقصصي، ولكن الألمان إذا قالوا «شعر» فهم يعنون الأدب؛ فغوتة شاعر، وكافكا شاعر أيضًا. إنهم لا يعنون الأدب كما نراه نحن.. بل يقصدون روح الأدب. إنه مفهوم ميتافيزيقي، وليس مفهومًا نقديًّا أدبيًّا..
(2)
أتذكر أن أحد الأدباء الفرنسيين من خلال جلوسه في مقهى قرَّر أن يكتب كل ما يحدث أمامه بالشارع، وقام بنشره في كتاب أسماه «التصيد الفكري صعب جدًّا». إن التمسك بالواقع كما هو من أصعب المهمات على الإطلاق، وهو المهمة التي يسعى إليها الفن.. إن مهمة الشعر أحيانًا تحويل أنظارنا إلى أن شرب فنجان قهوة هو أمر شاعري شعري فعلاً..
(3)
آلان دو بوتون، الكاتب والمقدم التلفزيوني، يقول عن انغماسنا اليومي بالقلق الوجودي: إن السفر، الجمال، المكانة، الحب.. هذه هي النسخة المعاصرة للمُثل العليا التي تدور حولها تصوراتنا عن الراحة، إلا أنه بصرف النظر عن الوعود والعاطفة التي استهلكناها في سبيل مطاردة هذه الأهداف، لا شيء منها سيتحقق! سيكون هناك قلق على الشاطئ، وفي البيت المرتب، وفي أحضان أيًّا كان الذي أغويناه. القلق هو حالتنا الأساسية لأسباب مبررة؛ لأننا كائنات مادية مزعزعة جدًّا، شبكة معقدة من الأعضاء الهشة المتعهدة بوقتها المحدد قبل أن تخذلنا بشكل كارثي.
لأننا لا نملك المعلومات الكافية التي تؤهلنا لاتخاذ قراراتنا الحياتية الكبرى، كأعمى يقود سيارة سباق؛
لأنه بمقدورنا أن نتخيل ما هو أكثر بكثير مما نملك.
(4)
بالإضافة إلى تاريخه الثوري الطويل، عُرف عن كاسترو عشقه للأدب؛ فقد كان قارئًا لا يشق له غبار. قال غابرييل غارسيا مركيز ذات مرة عن علاقتهما: «ما يجمعنا هو صداقة فكرية».
يتملك الشخص انطباع بأن هذا الرجل «كاسترو» يحب عالم الأدب بحق، بل يشعر بالراحة لدى وجوده فيه، كما أنه يستمتع بكتابة خطاباته بتأنٍّ وتروٍّ، التي أصبحت تتكرر بوتيرة متزايدة في الآونة الأخيرة. قال لي مرة بنبرة لا تخلو من الحزن: «في حياتي القادمة سوف أكون كاتبًا».
أحلام الفهمي - الدمام