د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
الإحلال يصاحب كل ثورة صناعية سابقة والثورة الصناعية الرابعة لن تشكل اختلافا، حيث تحدد التقنيات الإحلالية مستقبل الاقتصاد العالمي لأن الابتكارات الجديدة تعمل بشكل متزايد على إزالة الخطوط الفاصلة بين العالم المادي والعالم الرقمي والعالم البيولوجي، حيث يعمل الإنسان الآلي في الوقت الحاضر في غرف العمليات ومطاعم الوجبات السريعة، واستخراج الخلايا الجذعية وزرعها لتنمو كعظام بشرية من خلايا المريض نفسه، والطباعة الثلاثية الأبعاد توجد اقتصادا دائريا تستطيع من خلاله استخدام المواد الخام وإعادة استخدامها.
وستتلاقى كل من التقنيات الصاعدة التي تشمل الروبوتات، وتقنية النانو والواقع الافتراضي والطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، وعلم الأحياء المتقدم الذي يعرف بالثورة الصناعية الرابعة بأن يساهم في تغيير مجرى الحياة العملية بشكل جذري.
رفع مستوى الإنتاجية التحدي الحقيقي أمام الاقتصاد البريطاني طالما لا يتجه نحو زيادة الاستثمار في رأس المال البشري والمادي، فإنه يبدو من المؤكد أنه سيبقى متخلفا عن البلدان الأخرى، والتصدي لهذا الأمر جنبا إلى جنب مع الانفتاح على موضوع هجرة العمال المهرة للغاية، ينبغي أن يكون محور تركيز أية جهود تهدف إلى رفع أجور أغلبية السكان، حيث نسبة بريطانيا في الساعة الواحدة 76 في المائة من المستوى الأمريكي و77 في المائة من الهولندي و78 في المائة من الفرنسي، و79 في المائة من الألماني.
فيما شركات وادي السيليكون تسعى إلى استغلال نفوذها في مواجهة تقييد الهجرة، حيث إن صناعة التكنولوجيا منذ أمد بعيد تعتمد على المهاجرين وتحتفي بإسهاماتهم وتناصر قضايا التحرر، وكان موقفهم أبعد مدى من نظرائهم في القطاعات الأخرى التي تلتزم الصمت وقدمت الشركات الكبرى مثل آبل وجوجل ومايكروسوفت مساعدة قانونية لموظفيها الذين شملهم قرار حظر دخول المهاجرين بغرض التوطين لمدة 20 يوما.
هناك واقعا مختلفا في دول الخليج، ولقد نشرت إحصائية للتركيبة السكانية في الكويت تبين أن نسبة المواطنين لا تتعدى 25 في المائة بل هي أقل في دولتي قطر والإمارات، عندها طلب نواب مجلس الأمة في الكويت تخصيص جلسة خاصة لمناقشة هذه القضية دون المساس بالحقوق الإنسانية للوافدين سبق أن ناقشت هذه الأزمة في كتابي (ديناميكيات توطين الوظائف في دول الخليج) المنشور في أي كتب في لندن عام 2011.
حتى أن بعض المسؤولين بدأ يردد لن نكون أقلية في بلداننا، وأن المسألة ليست خطاب كراهية أو عنصرية إنما هي إجراء تنظيمي، وأكد كثير من المحللين أن التركيبة السكانية في دول الخليج أمر خطير ولها تأثيرات أمنية واجتماعية رغم ذلك لا توجد خطط استراتيجية لمواجهة هذه الأزمة بل هي مجرد ردات فعل.
أود أن أعود إلى المملكة العربية السعودية التي تعتبر الدولة الرابعة عالميا في استقبال الوافدين بعد الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا رغم أن روسيا تصدر مهاجرين بنفس العدد الذي تستقبله بعد الهند والمكسيك ثم تأتي بعدها الصين ثم بنغلاديش فالباكستان تأتي سوريا في المركز التاسع والمملكة المتحدة في المركز العاشر.
لكن ترتيب السعودية في المركز الرابع في استقبال الوافدين بالنسبة إلى عدد سكانها تعتبر نسبة الوافدين نسبة عالية جدا وهي غير مرتبطة بالعملية الإنتاجية كما في بقية الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا بينما هي مرتبطة بمفهوم الدولة الريعية تهيمن العمالة الوافدة هيمنة كاملة على القطاعات غير الحكومية وقطاع العمالة الخدمية.
قد يكون استقدام الوافدين بعد اكتشاف البترول من أجل التوسع الاقتصادي بسبب قلة أعداد المواطنين في ذلك الزمن وتدني المستوى التعليمي والمهاري في عدد كبير من التخصصات، لكن استمر توافد العمالة رغم أن الظروف لم تكن كما كانت عليه بعد اكتشاف النفط، حيث تضاعفت أعداد السكان، لكن ظلت مشكلات حضرية ارتبطت بالدولة الريعية في رفض قبول العمل في مهن يدوية وفنية وميكانيكية وفي الصيانة وتركها بالكامل للعمالة الوافدة.
وتعقدت المشكلة أكثر بأن أدمن القطاع الخاص على العمالة الخدمية الرخيصة التي تزيد على 85 في المائة من العمالة الوافدة وهي عمالة غير ماهرة لا تساهم في تنمية الاقتصاد وتوطين تقنية والمساهمة في ابتكارات كما في وادي السيليكون في أمريكا، فأصبح القطاع الخاص يعتمد اعتمادا كليا على العمالة الوافدة فأصبح عقبة أمام استيعاب اليد العالمة الوطنية من الجنسين خصوصا وأن الفترة الماضية وقفت قيود اجتماعية متلبسة بالدين منعت المرأة العمل في قطاعات عديدة، فيما أن القطاع الحكومي غير قادر على توفير الوظائف وهناك فجوة كبيرة جدا بين القطاعين في الأجور أي أن المنافسة تغيب بينهما.
حتى التعليم الجامعي لم يوفر متطلبات التنمية في القطاع الخاص وكأنه تعليم مخصص للقطاع الحكومي وسيواجه الخريجون أزمة معقدة بعد تخصيص عدد من القطاعات الخدمية التي فرضتها أزمة انخفاض أسعار النفط وانخفضت مداخيل الدولة وعدم قدرتها على مواكبة الإنفاق الجاري.
ما يعني أن الدولة بحاجة إلى معالجة جذرية في المجتمع بحيث يقبل العمل في القطاعات التي تحتكرها العمالة الوافدة هذا من جانب والجانب الآخر خلق سوق عمالة تنافسية من أجل تمكين القطاع الخاص دفع أجور تتناسب مع سوق العمل الدولية وليس وفق الأجور التي كانت تدفع للعمالة الوافدة، ما يعني أن القطاع الخاص بحاجة إلى إعادة هيكلة بما يتناسب مع الوضع الجديد، إلى جانب تغيير مفاهيم التعليم وفرض أسلوب خلق الإبداع والتطوير بما يخدم سوق العمل في القطاع الخاص بعدما اكتفى القطاع الحكومي.
إلى جانب أن انخفاض أسعار البترول ودخول اقتصادات دول الخليج وعلى رأسها اقتصاد المملكة العربية السعودية ما بعد عصر النفط أن تتغير كثير من العادات الاجتماعية في الاستغناء عن خدمهم وعن سواقيهم بأن تسوق المرأة أمرا تفرضه المتغيرات الجديدة لتخفيض عدد العمالة الوافدة الخدمية التي لا يحتاج إليها المجتمع وهي عبء على اقتصاد الدولة وهي عمالة فائضة وغير ضرورية، وتوجه الجيل الحالي نحو المنازل الصغيرة بدلا من المنازل الواسعة التي ظهرت بعد طفرة النفط واحتاجت إلى العمالة المنزلية بأعداد كبيرة لن تتمكن الأسر من الإنفاق عليهم بعد التغيرات الأخيرة ودخول الاقتصاد مرحلة انتقالية من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي.
هذه الأعداد الكبيرة الموجودة في السعودية التي قدرها المنتدى الاقتصادي بـ10.2 مليون وافد فيما حددتها هيئة الإحصاءات العامة بـ11.6 مليون وافد لعام 2016 ولا توجد إحصاءات عن عدد العمالة المتخلفة التي قد تكون أكثر من 5 ملايين أو أكثر وقد تصل إلى أعداد فلكية لا يمكن التنبؤ بها، لكن يمكن تقديرها من خلال الأحياء العشوائية التي يسكنونها في أطراف المدن بل في قلب المدن أيضا.
اعتماد الدولة على هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين تزامنت معها بروز قضية المتاجرة بالبشر، وبالمتاجرة بالتأشيرات التي اتسعت على إثرها رقعة الاقتصاد الخفي التستر، حيث أسقطت السجلات التجارية 33 ألف مستفيد من الضمان الاجتماعي.
فوجود الكفيل ساهم في اتساع رقعة الاقتصاد الخفي، لكن بإنهاء صفة الوكيل وضمان حقوق الوافدين الذين كانوا يعملون بأسماء كفلائهم مقابل مبالغ مالية حرمت الشباب من الدخول لقطاعات محتكرة من قبل العمالة الوافدة التي تعمل بأسماء سعودية.
من خلال إعادة هيكلة قطاعات محددة بشكل تدريجي والسماح للشباب السعودي بتولي المهمة والعمل فيها وفق إجراءات واندماجات تحت مسمى مؤسسات وشركات جديدة بأفكار إبداعية بأن تكون قطاعات محددة مقتصرة على السعوديين فقط دون أي مشاركة في المرحلة الأولى وهي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها القضاء على التستر، ولكن مع حفظ حقوق العمالة الوافدة لأن السبب في اتساع ظاهرة الاقتصاد الخفي لم تكن مسؤولية تلك العمالة بل المسؤولية تتحدد بالكفلاء وفي غياب الأنظمة والتشريعات التي مكنت تلك العمالة الوافدة العمل بأسماء سعودية، ويمكن فتح قطاعات محددة أمام العمالة الوافدة بعد وقف مسمى الكفيل تعمل بأسمائها وفق نظام الاستثمار الأجنبي من أجل الحفاظ على السيولة داخل البلد.