يوسف المحيميد
يقول مثل صيني بأنك إن أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحًا، وإن أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردت أن تزرع لمائة سنة فازرع إنسانًا... فكيف يمكن أن نزرع إنسانًا، خاصة إذا كنا نزرع جيلًا متكاملًا ومتوازنًا وواثقًا بقدراته وإمكاناته، جيلًا قادرًا على القفز بهذه البلاد إلى مرتبة مختلفة؟
معظمنا نردد بأن صنع مثل هذا الجيل/ الحلم، يتطلب التركيز على التعليم التأهيل والتدريب والتطوير وما إلى ذلك، وهذا صحيح إلى حد كبير، فلا يمكن أن يحقق لنا هذا التطور ونهضة البلاد جيل جاهل، أو غير مؤهل مثلًا، ولا يمكن أن يقود نهضة البلاد وصناعتها جيل جامد غير متطور، وليس له نصيب من التدريب المستمر، فهذه العوامل الأربعة مهمة للغاية، لأي مجتمع في العالم، وفِي أي تاريخ!
لكن الأمر المهم، وربما الأكثر أهمية، هو كيف نجعل هذا الجيل المتعلم، المؤهل، المتدرب، والمتطور جيلًا مخلصًا، محبًا للعمل، وبالتالي جيلًا منجزًا، سيقول أحدكم لابد أن يحب وطنه، ويحافظ عليه، فهذا الجيل يجب أن يكون جيلًا وطنيًا بامتياز، لأنه ما لم يكن جيلًا وطنيًا فهو لن يكون مخلصًا، باحثًا عن رفعة وطنه. وعزته، وكرامته!
ماذا علينا فعله إذن كي نعزز الوطنية والإخلاص؟ هل نجدد ونطور كتب الوطنية للمراحل الإبتدائية، كي تزداد جرعة الوطنية؟ طبعًا لا، فهذه المواد الجافة التي تعتمد التلقين والحفظ، أثبتت عدم جدواها، وتجاوزها الوعي المجتمعي كثيرًا، ولا يمكن أن تغرس في قلب المواطن حب الوطن من خلال دروس وتلقين، فحب الوطن مرتبط بالشعور الوجداني للشعب، وحفظ الواجبات والحقوق للجميع دون استثناء، وضد الجميع دون استثناء، من جهات حكومية ومؤسسات دولة وقطاع خاص وأفراد وغير ذلك.
إن شعور الإنسان بالحرية، وتمتعه بممارسة هذه الحرية بشروطها ومقاييسها، هو الخطوة الأولى لكل ما سبق قوله، حينما يرضع الأطفال الحرية من صدور أمهاتهم، ويعرفون واجباتهم وحقوقهم كاملة، ويتمتعون بها، بحيث أن لا أحد على الإطلاق يملك سلبها منهم، ومصادرتها، فهم حتمًا سيكبرون على حب هذا المكان العظيم الذي وفر لهم كل ذلك، وكفله لهم، ومن ثم يشعرون أنهم منه، وأنه منهم ولهم، فيخلصون له، وينذرون حياتهم لأجله.
من هنا تصبح الجدوى من التعليم والتأهيل والتدريب والتطوير كبيرة، لأن هذه العناصر المهمة في تشكيل الإنسان تكتمل بالحريات، وتزدان بها، فالحرية المشروطة، التي لا تتجاوز حدودها، وتتعدى ذلك إلى حدود الآخرين. المدرجة ضمن فضاء قانوني محكم، يعمل فيه التشريع والتنفيذ معًا، سيُصبِح لها أثر كبير جدًا على بناء المجتمعات، تمامًا كما يحدث الآن في المجتمعات المتقدمة، من ازدهار ونمو واستقرار تحكمه الضوابط والأنظمة والقوانين.