عمر إبراهيم الرشيد
تشكل السير الذاتية للشخصيات المؤثرة في أيّ مجتمع رصيداً إنسانياً وثقافياً قيماً. كما أنها مرحلة من تاريخ مجتمعاتهم وبلدانهم.. استقبلت المكتبة العربية والعالمية مؤخراً كتاب وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي (من البادية إلى عالم النفط) مشكلاً حلقة من سلسلة سير رموز وطنية تركت رصيداً إنسانياً وفكرياً وإدارياً، وزبدة تجارب يفيد منها كل طامح إلى خدمة مجتمعه ووطنه وتحقيق نجاح أياً كان مجاله. في كتاب المهندس علي النعيمي تجد ذلك التلازم ما بين الصحراء وذلك الصبي الذي رعى الغنم وهو ابن الرابعة من جهة، وبين إدارة أكبر الشركات النفطية في العالم ومن ثم تسلم وزارة هذه الثروة التي تشكل عصب الاقتصاد العالمي. بعد النظر من أفق الصحراء المفتوح وفضائها الرحب الممتد، وقوة الشكيمة ومجالدة الصعاب من المصابرة على حرها اللاهب وبردها القاصم، وكيف إذاً لمن أراد خوض المعارك الدبلوماسية مع أسواق النفط وعواصم صناعة القرار الاقتصادي إلا أن يكتسب من مدرسة الصحراء تلك القيم النبيلة.
يقول المهندس علي: إن أحد المديرين الأمريكيين قال له وهو ينوي دخول أرامكو وقد خطّ خطّاً على الجدار (إذا وصل طولك هذا الخط تدخل أرامكو) وقد كان وما زال قصير القامة، فاشعلت هذه الكلمة في نفسه جذوة التحدي فوق ما فيه من صلابة تركتها صحراء شرق المملكة. فتدرج في الشركة من ساع وهو صبي، حتى أكمل دراسته وعاد للشركة يزاحم المديرين الأمريكيين بمن فيهم من كان يستقله ولو شزراً.. وقد قال عنه شيرارد كوبر السفير البريطاني لدى المملكة (إنه ذكي للغاية ومنضبط ولا يتوانى في الدفاع عن مصالح بلاده، وبالمقارنة مع وزراء الطاقة البريطانيين كان عملاقا بين اقزام).
يذكرك هذا الكتاب القيم بما سبقه مثل مذكرات الدكتور عبدالله الطريقي -رحمه الله تعالى-، صاحب كلمة (نفط العرب للعرب) الشهيرة والتي يتردد صداها عبر الأجيال. وكتاب الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- (حياة في الإدارة)، هذان الكتابان مع كتاب الوزير النعيمي تشترك في أنها سيرة إدارية وفكرية تشكل مدارس ومراحل من تاريخ الدولة والمجتمع، ورصيداً لا يقدر بثمن لشباب وبنات المملكة والخليج، بل وكل منصف أياً كان مكانه في هذا العالم. علي النعيمي رمز وطني ومثال للكفاح وخدمة الوطن والمجتمع.