د. محمد عبدالله العوين
إذا كانت خطة التحول الوطني تشير إلى توفير فرص العمل للسعوديين بإحداث مليون ونصف المليون فرصة عمل بحلول عام 1441هـ حسب خطة التنمية العاشرة، وإذا كان من أهم أهداف رؤية السعودية 2030م تقليص الاعتماد على الجهاز الحكومي بزيادة الخصخصة وتحويل قطاعات الخدمات بما فيها التعليم والصحة والبلديات والمواصلات ونحوها إلى القطاع الخاص؛ بحيث يستوعب هذا القطاع ملايين من الراغبين المنتظرين فرص العمل من ذوي الكفاءات العلمية والمهنية الجيدة؛ فإن ما يجري الآن من تداعيات مع بدء تنفيذ التحول والرؤية لا ينبئ بأن الأهداف الجميلة الموضوعة على «الورق» كغايات وطنية مثالية تتحقق أو ستتحقق بالصورة المأمولة.
وما يحدث في سوق العمل العام والخاص دليل على ما أدت إليه بعض الإجراءات التقشفية من سلبيات ظاهرة لا تخفي أثرت وستؤثر بصورة أكبر في المستقبل على الحياة المعيشية للمواطنين وعلى سوق العمل والحركة الاقتصادية بعامة، ولنأخذ قطاع التعليم - كمثال على ذلك - فبناء على الشائعات والمعلومات المتداولة بإعادة هيكلة الوظائف التعليمية وتمديد سن التقاعد إلى 65 والمبكر إلى 25 وعدم حصول المتقاعد إلا على ما نسبته 30 في المائة مما يستحق ازدحمت المكاتب التعليمية بطلبات التقاعد المبكر خلال الأشهر الماضية حتى وصل الرقم إلى 18881 طلب تقاعد؛ مما شكل ضغطًا هائلاً على خطة التعليم لهذا العام الدراسي واضطر وزارة التعليم إلى اتخاذ إجراءات ترقيعية لمعالجة الخلل الكبير الذي أحدثه النقص في الكادر التعليمي والإداري الذي لم يستثن حتى حراس المدارس، ولم ينقذ الوزارة إلا من كانوا على وظائف بند 105 الذين لم تحسب - مع الأسف - خدماتهم السابقة على هذا البند؛ فلم يصلوا إلى السن القانونية للتقاعد المبكر.
وبناء على إلغاء بدلات الأكاديميين السعوديين واستثناء غير السعوديين من الإلغاء؛ فإن طلبات رحيل إلى القطاع الخاص أو التقاعد المبكر ستكون ملحوظة في الأشهر القادمة، ولو طبق إلغاء المميزات التي يحظى بها الأكاديميون غير السعوديين العام القادم بعد انتهاء العقد المبرم معهم هذا العام؛ فإن نقصًا حادًا سيحدث في كادر التعليم الأكاديمي الجامعي يشبه إلى حد كبير ما يعانيه الآن قطاع التعليم العام. وعلى الرغم من إجراءات تسكين ألم التقاعد المبكر على التعليم التي قضت بضم بعض المدارس إلى بعض، أو تكليف معلمين بالإدارة، أو تحميل معلمين فوق نصابهم العالي من قبل، أو بندب لا يأخذون عليه مقابل في مدارس أخرى؛ إلا أن ذلك كله لن يجدي شيئًا في معالجة الشق الذي هو أكبر من الرقعة!
ويحدث في عدد من الوزارات شيء قريب مما يحدث في التعليم؛ إِذ لوحظ طلبات تقاعد أو استقالات زادت عن النسب المألوفة سابقًا بعد تقليص المميزات والحوافز.
وإذا كان هذا في القطاع الحكومي الذي يتعمد تقليص المنتسبين إليه بصورة ملحوظة بعدم إحداث وظائف إلا للضرورات القصوى وبالتشجيع على النقل أو التقاعد أو الاستقالة؛ فإن القطاع الخاص الذي يؤمل أن يكون البديل عن القطاع الحكومي سرت إليه موجة التقشف والتضييق على موظفيه في عدد غير قليل من الشركات فتم تسريح مئات وآلاف من الموظفين، وتم تسريح بعضهم برسالة sms ووصل الرقم إلى 77 ألفًا من شركة ابن لادن، و1200 من عبد اللطيف جميل، وتوقف العمل في محجر نساح للحجر والرخام بسبب تسريح مئات العاملين فيه، وقل مثل ذلك في عشرات الشركات دون ذكر اسم، وإنما ذكرت بعضها من قبيل التدليل ليس إلا، وإن لم تلجأ بعض الشركات للتسريح فإنها تعمد إلى تجميد رواتب موظفيها وترقياتهم وعلاواتهم؛ كما فعلت شركة سابك.
تقول الإحصاءات: لدينا 700 ألف عاطل 51 في المائة منهم جامعيون و33 في المائة منهم نساء، وزيادة البطالة السنوية 3.6 في المائة ومع كل هذا يعمل لدينا في القطاع الخاص 10 ملايين وافد؟!
وإذا كان القطاع الحكومي يقلص من حجمه عن عمد بالتضييق وإلغاء البدلات والميزات والقطاع الخاص الذي يمارس ما يشاء بحرية شبه مطلقة في التعسف بالفصل والطرد والتسريح لموظفيه (السعوديين فقط) حتى برسائل sms فأين يذهب أبناء البلد؟!