أ.د.عثمان بن صالح العامر
من المهن الجديدة التي انتشرت في الآونة الأخيرة حتى شملت جميع مناطق المملكة مهنة المحاماة، والمكاتب القانونية، والاستشارات والتدريب المختص بالمرافعات والمقاضاة، ويتواكب هذا الأمر مع تطوير القضاء السعودي ومنح رخص مزاولة مهنة المحاماة للمختصين ممن يحملون شهادة البكالوريوس فضلاً عن الماجستير والدكتوراه في الشريعة أو القانون أو الأنظمة، ومع أن هذا تطور إيجابي يسجل لمعالي الوزير والفريق الذي يعمل معه فإن اللافت للنظر أن هؤلاء المحامين دخلوا السوق بِشَرَهٍ زائد، دون مراعاة للأحكام الشرعية المرعية في هذا الباب، مع أنهم من أهل الاختصاص والمفترض فيهم أنهم أول من يلتفت لهذا المنحى المهم المتمثل في مثل: (عدم استغلال حاجة المحتاج، وكذا استغلال جهله بالسوق العدلي الجديد في بلادنا، وإن كان له تاريخه الطويل في عالمنا العربي فضلاً عن الإسلامي والغربي).
إنني أعرف أرقاما خيالية - وربما تعرفون أنتم أكثر مني في هذا- حصل عليها محامون في قضايا يسيرة لا تحتاج كل هذه الأصفار يمين الرقم الصحيح، فهي لا تكلف كثيراً من الوقت، ولا تتطلب مزيداً من الجهد والاطلاع والمدارسة والاستشارات.
إنني أهيب بهؤلاء المؤتمنين على قضايا الناس أن يرأفوا بحالهم، ولا يستغلوا جهلهم وحاجتهم، وأن يتحلوا بأخلاقيات المحامي المسلم من المحافظة على أسرارهم، ويلتزموا بمواعيدهم معهم، وصدق الدفاع عن قضاياهم بكل أمانة وإخلاص، وأن يتخلصوا من (البرستيج) الذي يحيطون أنفسهم به، من مكاتب فخمة، وسيارات فارهة، و... فالمحاماة مهنة تنشد تحقيق العدالة وإنصاف المظلوم، ولذا من الظلم أن أمارس مع المواطن صاحب القضية ما نذرت نفسي لتحقيقه له مما ضمنه الشرع لكل صاحب حق، وحرص على الوفاء له به النظامُ القضائي في المملكة العربية السعودية.
إن سوق المحاماة السعودي سوق يتّسم اليوم بالعشوائية والفوضى، وقد يكون هذا طبيعياً في نظر البعض لحداثة عهده وقياساً بما هو موجود في كثير من بلدان العالم، ومع هذا فإنه - في نظري - يحتاج إلى ضبط ومراقبة، بل قد يلزم الأمر التدخل المباشر من وزارة العدل للتقنين وتحديد التكاليف، حتى لا يجتمع على المواطن همّان في آن: «الحق الذي ينشده، وتكاليف المحامي التي ترهقه»، وربما ترك المواطن البسيط المطالبة بحقه لما تحتاجه قضيته من أموال باهظة لا يستطيع دفعها، خاصة عندما تكون صاحبة القضية امرأة مطلقة، أو أرملة عاجزة عن متابعة قضيتها داخل أروقة المحاكم، أو... ولا تعجب إذا سمعت عن قريب أن امرأة تنشد أهل الخير وتمد يدها للناس من أجل أن تدفع تكاليف المحامي الذي لديه قضيتها في طلب حقها الذي ضمنه لها الشرع من نفقة أو رعاية أو...
قد يقول اقتصادي ما: إننا في سوق حر مفتوح يحدد السعر فيه العرض والطلب، وهذا في نظري وإن كان صحيحاً في السوق التجاري والصناعي فإنه غير مقبول في إطاره العام حين الانبراء للدفاع عن قضايا الناس الذين هم من مشارب مختلفة، وشرائح وطبقات متباينة، منهم الضعيف وذو العوز والحاجة. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.