متابعة - محمد المنيف:
أقيمت ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الواحدة والثلاثين ندوة للشخصيات المكرمة تحدث فيها مجموعة من الأكاديميين والأدباء كان من بين ما قدم ورقة احتفائية عن الفنانة صفية بن زقر بمناسبة منحها وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى قدم الورقة الدكتور والباحث الفنان محمد الرصيص قسمها إلى قسمين، نص مكتوب وعرض مرئي. قال عنها خلال إلقائها إنها احتفاء وتعبير عن فرح بحصول مجال «الفن التشكيلي» على أعلى تكريم له، وأعلى اعتراف به في تاريخ المملكة العربية السعودية، وذلك بمنح الاستاذة صفية «وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى»..
بدأ الحديث عن الفنانة صفية بأنها بشخصية تتسم بالهدوء في التفكير والكلام، والتواضع الجم في علاقاتها العامة، وتمنح الراحة النفسية لمحدثها، ولا تهمل التفاصيل المهمة، وتضع النقاط على الحروف في معظم أمور حياتها اليومية. هي شخصية كريمة مع الفن وتصرف عليه ما يحتاجه من تجهيزات وإعداد لائق لتكون هي راضية عنه في قيمته الفنية، وليكون هو في عرض راقٍ. هي أيضًا شخصية عاشقة للتراث المحلي وباحثة فيه بصفة عامة، وما يخص المرأة بصفة خاصة في العادات والتقاليد، والملبوسات، والحلي. وفوق هذا هي شخصية تربوية في توجيهاتها وفعالياتها الثقافية والتعليمية للنساء والأطفال وفق البرامج المعدة لذلك تحت ناظريها وإشرافها المباشر. وهنا نحتفي بالشخصية الراقية في حسن التعامل والاحترام للجميع.
بعد ذلك قسم الدكتور محمد الرصيص مشوار الفنانة صفية إلى ثلاث محطات بدئًا من مدينة جدة التي كانت المحطة الأولى حيث أبصرت صفية نور الحياة عام 1940م. وفيها نمت وترعرعت، ومنها غادرت وهي في السابعة من عمرها إلى عوالم أخرى للإقامة المؤقتة، والدراسة، وزيارة متاحف وصالات الفنون. وإلى جدة عادت صفية عام 1967م، محملة بالمعارف وطموح الشباب، ومنها انطلقت في حياتها الفنية.
وفي مدينة القاهرة، كانت المحطة الثانية في حياة صفية حيث أنهت مراحل التعليم العام والشهادة الثانوية الفنية عام 1960م. ومنها غادرت إلى بريطانيا، ثم تعود مرة أخرى للقاهرة أواخر عام 1965م، لتلقي دروسًا خاصة في الرسم والتصوير التشكيلي (Drawing and Painting)، بتوجيه د. صبري عبدالغني.
وفي مدينة لندن، مدينة الضباب، والمتاحف الفنية، كانت المحطة الثالثة في حياة صفية حيث أمضت ثلاث سنوات في مدرسة للطالبات تؤكد على الدراسات الثقافية، وتعدهن للنشاطات الاجتماعية بصفة خاصة. وبعد الدروس الفنية الخاصة بالقاهرة، تعود مرة أخرى إلى لندن وتلتحق بكلية «سانت مارتن» لمدة عامين حصلت بعدها على شهادة في فنون الرسم والحفر (Drawing and Graphic). كما قسم الدكتور الرصيص مراحلها الفنية إلى ثلاث مراحل قائلاً: (انعكست مشاهد، وأحداث، ونتائج المحطات الثلاث في حياة صفية على نمو وتطور أعمالها الفنية التي تجمع في عمومها بين المدرسة الانطباعية (Impressionism)، والمدرسة الواقعية الاجتماعية (Social Realism).
ومر ذلك بثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: تشمل الأعمال التي تم إنتاجها أثناء الدراسة في القاهرة ولندن وما بعد ذلك حتى عام 1980م، ويظهر فيها المؤثرات البيئية والثقافية للمكان والزمان سواء كان ذلك مستلهمًا في الموضوعات المعبر عنها، أو الأسلوب الفني لبعض الفنانين الانطباعيين، مثل الأسلوب البنائي الهندسي لسيزان، أو في ضربات الفرشاة وكثافة اللون كما عند فان جوخ، أو التكوين بمساحات كبيرة كما عند بول جوجان.
- المرحلة الثانية: تشمل الأعمال التي تم إنتاجها استمرارًا للمرحلة الأولى وحتى عام 1990م، ويظهر فيها الأسلوب الفني لصفية الساعي للتخلص من المؤثرات السابقة ومحاولة الوصول إلى صياغات خاصة بها تتوافق مع طبيعة مكونات البيئة المحلية المعبر عنها بروح تائقة لتسجيل وحفظ التراث الذي يواجه تحديًا كبيرًا مع موجة التحديث والنهضة الشاملة في المملكة.
- المرحلة الثالثة: تشمل الأعمال التي تم إنتاجها تأكيدًا وتطويرًا لما قبلها وحتى الآن. وتستمر هذه المرحلة مع صفية بأسلوب واقعي تسجيلي للحياة التقليدية في المملكة بعاداتها، وتقاليدها، وعمارتها، مستندة في ذلك على المعايشة، والنقل من الصور الضوئية، والمقابلات الشخصية، والمراجع التراثية والتاريخية المختلفة.
وهنا نود أن نحتفي بإصرار الفنانة صفية وصمودها بأسلوبها الفني الواقعي التسجيلي أمام الكم الهائل من المدارس والمذاهب الفنية التي انتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين. وبدلاً من الانجراف مع تلك المدارس والتنقل فيما بينها هنا وهناك، عملت على أسلوب خاص بها، وعن طريقة حفظت لنا الكثير من مظاهر التراث وتسجيله ليبقى مرجعًا للأجيال القادمة. وهذا الثبات الفني يؤكد أمرين مهمين: الأول اهتمام صفية بالتراث والبحث فيه وتوظيف ثقافتها الفنية لحفظه وتسجيله. الثاني هو انتمائها الفكري إلى مدرسة الفن للمجتمع «Art for the Society Sake»، وعدم تأثرها بمدرسة الفن للفن «Art for the Art Sake».
كما تطرق الدكتور الرصيص إلى جانب إنجازات الفنانة صفية الفنية، والثقافية، والتراثية، والاجتماعية، والتعليمية في مقدمتها إقامة أكثر من عشرين معرضًا شخصيًا، والمشاركة في معارض كثيرة ثنائية، أو جماعية داخل المملكة وخارجها، وهو ما يحتاج إلى مجهود في متابعة التنظيم وطباعة الكتيبات، والنشرات، وصور الأعمال، وتنظيم الندوات للحوار والمناقشة مع الجمهور حول الأعمال المعروضة. إضافة إلى كون إقامة المعارض وتنظيمها وإخراجها على الوجه المطلوب هو فن قائم بذاته اعتادت صفية القيام به والإشراف عليه في معارضها الخاصة والشخصية ويحتل المجال الثقافي أهمية كبيرة في حياة فنانتنا الرائدة صفية، ومن ذلك سلسلة من المقالات الفنية في الصحف المحلية في فترة مبكرة، إعداد وتقديم عدد من المحاضرات داخل وخارج المملكة، الإسهام في إعداد ونشر كتاب «المملكة العربية السعودية - رؤية فنان للماضي»، باللغتين الإنجليزية والفرنسية، الإسهام في إعداد ونشر كتاب «صفية بن زقر - رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي»، إقامة مجلس فني أدبي بصفة منتظمة شهريًا منذ عام، إقامة المناظرة الشعرية السنوية لدارة صفية ويأتي الإنجاز الكبير الذي يتوج حياة الفنانة صفية وهو إنشاء دارة تحمل اسمها بجدة، حيث قام بافتتاحها رسميًا الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك مساء يوم الأحد 23-1-2000م. وقد تم تصميم الدارة على أسس معمارية متحفية بهدف المحافظة على الأعمال الفنية لصفية وعرضها بصفة دائمة للجمهور، إضافة إلى عرض أكثر من ثلاثمائة قطعة من المقتنيات التراثية من ملبوسات، وحلي، وأثاث. ويمكن تصنيف الدارة على أنها متحف من متاحف الفن الفردية، الصغيرة في مساحتها، والكبيرة في أهدافها وطموحها. كما يمكن القول إن الدارة حققت السبق الأول في كونها «متحف للفن التشكيلي» بمفهومه الحديث في المملكة، لأنه لا يوجد متحف مماثل حتى الآن، باستثناء متاحف الآثار والتراث الشعبي.
وعن طريق الأقسام المجهزة في الدارة «المتحف» واصلت صفية تقديم عطاءاتها الفنية والثقافية المتنوعة وفق البرامج التنظيمية لذلك، ومنها، استقبال زوار الدارة من طلاب وطالبات المدارس، والفنانين، والمثقفين، والمسؤولين، وضيوف المملكة من وزراء، وسفراء، ورؤساء بعض الدول، تقديم دورات دراسية وورش عمل فنية للسيدات والأطفال. إقامة المحاضرات والندوات الفنية والأدبية بصفة دورية، تنظيم عدد من المعارض الفنية والتراثية من داخل المملكة وخارجها، تنظيم مسابقات فنية سنوية للأطفال والناشئين بصفة منتظمة منذ 2001م، إثراء الجانب المعرفي الثقافي بمكتبة الدارة التي تضم أكثر من سبعة آلاف كتاب، ودوريات ورسائل أبحاث في الفن والأدب، والثقافة العامة، باللغتين العربية والإنجليزية. وكذلك تطوير المكتبة المرئية التي تشمل تسجيلات عن تعليم الفنون التشكيلية، وعدد من متاحف الفنون العالمية، وحياة بعض المشاهير من الفنانين وأعمالهم الفنية.
وفي هذا الزخم الثقافي أضافت صفية مكتبة خاصة بالطفل تناسب قدراته المعرفية والإدراكية باللغتين العربية والإنجليزية، إعداد وحفظ سجلات في الحاسب الآلي عن معظم الفنانين السعوديين وبعض الفنانين العرب، تصميم وإطلاق موقع للدارة على شبكة المعلومات بهدف التعريف بها والتواصل مع المهتمين والمتابعين لفعالياتها.
وتحدث الدكتور محمد الرصيص عن الجوائز وشهادات التكريم فقد حصلت على أكثر من ثلاثين شهادة شكر وتقدير، وجوائز ودروع وتكريم، من مؤسسات داخل وخارج المملكة ومنها: كأس ودبلوم الامتياز من جرولا دورا في إيطاليا عام شهادة تقدير من «اليونيب» لأعمالها في حماية التراث عام شهادة تقدير من منظمة «اليونيسيف» عن بعض أعمالها الفنية التراثية عام. جائزة المدينة المنورة عن حفل تكريم الموهوبين جائزة المفتاحة بأبها عام درع شكر وتقدير من كلية دار الحكمة درع شكر وتقدير من كلية عفت عن يوم المهنة درع شكر وتقدير من الشباب البريطاني درع شكر وتقدير من شركة أرامكو السعودية لإحياء التراث تكريم من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماع وزارة الثقافة، تتويج جميع الشهادات والجوائز بحصولها على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في هذا العام 2017م، ضمن الشخصيات المكرمة في دورة المهرجان الوطني للتراث والثقافة.