رمضان جريدي العنزي
يستخدم التلسكوب لرؤية الأشياء الصغيرة والبعيدة والدقيقة بشكل صافٍ وواضح وقريب وبتفاصيل أكثر دقة ورؤية مما تراه العين المجردة، ويمكن للتلسكوب أن يكشف الأجسام الخافتة والضئيلة جداً ابتداءً من المجرات الكبيرة والنجوم وانتهاء بالذرة، هناك من يشبهون التلسكوب يفتشون ويتابعون بكثافة عن أخطاء الآخرين وزلاتهم، ينصبون الكمائن ويحكمون السيطرة، ثم يعقدون الاجتماعات المتلاحقة لبث هذه الأخطاء وهذه الزلات دون وازع من ضمير أو تأنيب، ودون أن يتبينوا أو يتحروا، يعملون بهمم عالية، وبحركات متواصلة ودؤوبة وفق رحلات مكوكية بين المناسبات والأرصفة والمجالس والبراري والمقاهي، يخوضون غمار أعماق الناس السحيقة بنشوة وسعادة من دون توقف في النهار، ومن دون أن يغمض لهم جفن في الليل، يجدون متعة فائقة في هذه الهواية البغيضة، رغم تقلباتهم البائنة والصاخبة، يعملون ببراعة ونشاط، ويواصلون عملهم بمرونة، ولهم إنتاج تشغيلي فعال، ولهم مسارات محددة في الذهاب والإياب، لهم تقارير عن أحوال الناس وخصوصياتهم ويدرجونها برسوم بيانية، وتحليل معطيات، لا يحزنون ولا يعبهون على ضياع الوقت والمجهود، بل يبتهجون بنشوة عارمة وفرح عالٍ، وإذا ما وجدوا مشكلة في أدائهم، يغيرون بسرعة خطط العمل، ومسار التتبع، بعد تقييم الأداء، ومراقبة التباطؤ، وإذا ما فقدوا رشاقتهم تحت أي ظرف تعجيزي أو مزعج أو مفاجئ، يقررون بناء صالة لياقة وأخرى تدريب لتحسن المتابعة والأداء والتحري، هذه الكائنات المتنافرة يعيشون مع بعضهم البعض، أفواج متكلسة ومتهورة وغير عاقلة، همهم مراقبة الناس ومتابعتهم وتصيد أخطائهم وزلاتهم وهفواتهم، معادلاتهم مقلوبة، وحساباتهم ليس لها منطق، ونتائجهم كارثية، وآثارهم سلبية، مجموعات غريبة لها دهاليزها وفلسفتها وقوافلها وزادها ومتناقضاتها، يمسون الناس بالضر، ولا عندهم رحمة، عقولهم متحجرة، وآرئهم سخيفة، وبهم سقم، وأدمغتهم خاوية، أقوالهم مطاطية، وأفعالهم هواء، يتسللون على الناس من المخادع الظلامية الغارقة في السواد، ولهم مؤشرات خطيرة في البهت والتزوير والتزييف، يجيدون المراقبة والتجسس، ويفاخرون بها، ويصدحون ببطولاتهم المزيفة، ويتباهون بنضالهم القبيح، عينات غامضة تحاول جلب القبح، وكسر الحياة، وفرملة العطاء، بعيداً عن المبادئ والأخلاق، ما عندهم هؤلاء طهر، وليس فيهم نقاء، طحالب غارقة في المستنقع، جذوعهم يابسة، وأغصانهم متقوسة، متعجرفونيثيرون الاشمئزاز، يتصرفون بتعال وكبر وجحود، ويقتاتون على الأقوال الباطلة، متآمرون على الكفاءات والمواهب العامرة، كون أرواحهم معطلة، يتربصون بالناس ويستفزون مشاعرهم، متشنجون ومتهورون وعندهم بطر، المثير للغرابة أن هؤلاء لا يخجلون من التبجح بأفعالهم الخسيسة، ولا يجدون حرجاً من استعراض نضالهم التجسسي والمراقبة والتحري والمتابعة ضد الناس، أقوالهم أقبح من أفعالهم، مثل ثآليل نافرة بالقبح والصديد، فسحقاً لهم، وتباً لمن راقب الناس وتجسس عليهم وراقبهم ورصدهم وتتبعهم، والذل والعار والسحق لهم.