سعود عبدالعزيز الجنيدل
هذه قاعدة أصولية عند النحاة -أظنّهم أخذوها من الفقهاء- تقتضي عدم المطالبة بالدليل لأنّ المسألة جاءت على الأصل، فمثلاً، يقال: إنّ الفعل المضارع مرفوعٌ على الأصل، ولا نحتاج إلى البحث عن علة رفعه لأنه قد جاء على الأصل، والمشكلة أن النحاة أنفسهم، لم يأخذوا بقاعدتهم الأصولية، واختلفوا في علة رفع الاسم إذا وقع مبتدأ، فالبصريون يرون أن علة رفعه هو الابتداء، وهو عامل معنوي، والكوفيون يرون أن علة رفعه هو الخبر.
لو قالوا أنه مرفوعٌ على الأصل بناء على قاعدتهم الأصولية أظنهم سيخرجون من مسألة التعليل.
سأستعير القاعدة الأصولية السابقة، وليسمح لي النحاة في ذلك، ومن قبلهم الفقهاء، وسأسقطها على المجتمع.
بعض الأمور التي تقع في مجتمعنا لا تحتاج إلى دليل لأنها جرت على الأصل، والذي يجري على الأصل لا نحتاج فيه إلى دليل.
وأمثلة ذلك كثيرة منها:
- الأصل أن الفرد أياً كان يسعى إلى تطوير نفسه، ولا بد أن يشعر بفرق واضح، واختلاف بشكل إيجابي، فالسنة الحالية تختلف عن السنة الماضية، والسنة القادمة تختلف عن السنة الحالية، وهكذا يظل في تطور مستمر.
- الأصل أن الفرد أياً كان يكون إيجابيًا, ويكون نقطة قوة لمن حوله، ولا يمل من المساعدة.
- الأصل أن الفرد يكون متفائلاً، وطموحاً، ويسعى لتحقيق أهدافه.
- الأصل أن الفرد يكدح من أجل عائلته، ويبذل الغالي والنفيس من أجلهم.
- الأصل أن الفرد يتقبل الرأي والرأي الآخر.
- الأصل أن الفرد يكون مستمعاً للطرف الآخر، ويتمنى أن يكون الحق مع الطرف الآخر، ولا ننس مقولة الأمام الشافعي -رحمه الله-: « ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه».
ومن يعترض على كلامي، ويقول أعطنا دليلاً على ما تقول،
فسأقول له، ما قال المتنبي:
وليس يصح في الإفهام شيء
إذا أحتاج النهار إلى دليل
والآن اسمحوا لي أن أقوم بتحوير هذه القاعدة قليلاً لحاجة في نفسي.
إذا كان الأصل عند أحد ما الحضور بشكل يومي لعمله، وتأخر في يوم ما، - فمن وجهة نظري- أرى أن نطبق هذه القاعدة معه، ولا نحاسبه لأن الأصل عنده هو الحضور مبكرا، فمخالفته للأصل- الأصل هو الحضور مبكرًا لكنه خالف هذا الأصل- يشفع له الأصل» وهو الحضور مبكرا» الذي تعود الناس عليه، فلا نحاسبه.
إذا كان الأصل في الفرد السخاء، وخالف هذا الأصل لظروف ما، فيشفع له، الأصل» وهو الإنفاق بسخاء» ولا نطالبه.
إذا كان الأصل في الفرد الطيبة، والأخلاق الحسنة، وخالف هذا الأصل في إحدى المرات، فالمفروض أن معرفتنا للأصل عنده وهو» الطيبة والأخلاق الحسنة» تشفع له، ولا نطالبه.
في نهاية هذا المقال اختم بقاعدتي الأصولية -قد تتفقون أو تختلفون معها-
«من خالف الأصل مرة، لم يُطالب بالتبرير».