لا تطيعني بعض ملفاتي المفتوحة ولا تستجيب لرغبتي في الكتابة، فلا تنبس بخط كلمة ولا تستنطق شيئاً فيّ ، إلى درجة قد تتوقف معها أفكاري وعباراتي وأسلك عدة سبل لإقناعها وأتركها مشرعة للهواء والنهار، وأجعل الضوء يطل عليها لكن دون جدوى ، أسلك أساليب أخرى للتحايل عليها أدللها ببعض الأسماء أخترع لها تسميات مدهشة جذابة ولا تتأثر بذلك مطلقاً، أستنفذ محاولاتي المتعددة في محاولة للتقرب إليها إلا أنه لا شيء يستنطق كلماتي، حتى إنني حاولت ترك مساحة بيضاء في أول كل صفحة وآخرها، كي لا يشعر أي ملف من ملفاتي بالاختناق ، وغيّرت الموسيقى التي تروقني بأخرى ربما راقتها ولكن دون نتيجة لذلك كله، حينها خلقت بعض تصوراتي بتأجيل الكتابة فيها، لأنه ربما لم يحن موعدها بعد. ذلك ما دعاني لأسأل: هل تتحكم ببعض الملفات مزاجيتها مثلما تتحكم بي مزاجيتي أحياناً ؟. أم يخيل ذلك إليّ ؟ ولماذا تكون ملفات أخرى قادرة على اختراع أفكارها واستحثاثي على الكتابة بركض نادر؟
كم يفاجئني هذا التضاد بين ملفين وكأنهما ليسا من النوع نفسه ؟!
فربما تتحكم ببعض الملفات أحجامها وحالاتها وحواسها وفنونها وطاقاتها ومؤثراتها.
لدي قناعة بأنّ من الجمادات من يمتحن صلابتنا في الصبر والإرادة والمقاومة، للتسلل نحو أفكارنا وكلماتنا ومعانينا المسكونة في السطور والمرصودة فيها مسبقاً والمتربعة على عروشها قبل أن نكتبها أساساً.
يرى ابن باجة الأندلسي بـ(كلّ حي يشارك الجمادات في أمور, وكلّ إنسان يشارك الحيوان في أمور ... لكنّ الإنسان يتميز عن الحيوان غير النّاطق والجماد والنّبات بالقوّة الفكريّة، ولا يكون إنساناً إلاّ بها)
أعتقد بأنّ كل فكرة تستثيرها ذاتيتها وتفتح لها ملفها الخاص.
كل شيء من حولنا يمرننا على أخلاقيات الصبر والتأمل والحدس والحلم والصمت والاحتمال والتفكر والتفكير. وعلينا أن نستثمر كل شيء في الحياة حتى وإن كان جماداً ؛ كي نتعلم منه.
- هدى الدغفق