انتهيتُ في المقالات الثلاثة السابقة من مناقشة ما طرحه الاستاذ علي العيسى من ردود على تغريداتي حول الليبرالية في تويتر. واليوم أبدًا مناقشة ما طرحه أصدقاء الفيس بوك تعليقًا على قولي في عدّة مشاركات ما خلاصته: (الليبرالية لا تمنع أحدًا من التديّن، ولم تكن يومًا ضد أي دين كما يروّج البعض. هي ترفض أن تفرضَ على غيرك قناعاتك الدينية فقط. فتأمّلوا جمالها.. الليبرالية ليست دينًا ولا معصية ولا جريمة. هي منهج حياة عظيم يدعو إلى المرونة والتعايش والتسامح والسماح لكل إنسان أن يعيش بالشكل الذي يختاره).
فكتبَ عددٌ من الأصدقاء ردودًا جديرة بالمناقشة، منها قول الصديق مبارك المرسل: «والقرآن قال: لكم دينكم ولي دين، وقال: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. لكن ليتحمّل من أعرض عن شرع الله ولن يتحمل؛ لأن الله قال بعدها: أنا اعتدنا للظالمين نارا...». والجميل في كلام الأخ مبارك أنه يُثبت بهذه الاستشهادات الرائعة ما أشرتُ إليه مرارًا وهو أن الإسلام ونصوصه الكريمة المقدّسة لا تتعارض مع الليبرالية التي أتبناها بل تتفقُ معها وتدعمها وتعزّزها.
ولكنّي عزيزي مبارك أقف قليلاً عند قولك: «لكن ليتحمّل من أعرض عن شرع الله»، موجهًا لك السؤال التالي الذي آمل منك تأمله بعمق، وهو: ماذا تقصد بقولك: (شرع الله)؛ فلدينا مئات الطوائف والتيارات والمذاهب والفرق الإسلامية، التي يدّعي كلُّ واحد منها أن وجهات نظره وتفسيراته الدينية هي شرع الله؟!.
وأنقلُ دفَّة الحديث إلى رد آخر كتبه الصديق كمال بخيت، يقول فيه: «اتفق مع الغذامي في وصف الليبرالية في السعودية». والحقيقة أن مثل هذا الرد يتكرّر على دائمًا، ولذلك أحب أن أقول لجميع الذين يكتبون مثل هذا الكلام: شاهدتُ مقطع الفيديو الذي يتحدثُ فيه الدكتور عبدالله الغذامي عن الليبرالية في السعودية، وقرأتُ أيضًا كتابه الذي ألّفه في نقدها، ووجدتُ طرحه -في الكتاب والمقطع- بعيدًا عن الموضوعية، مجافيًا للحقيقة، مليئًا بالمغالطات.. مع كامل احترامي لشخصه.
وقد أسعدني تحليلٌ جميلٌ فيه قراءة شاملة لكلّ ما دار في صفحتي الفيس بوكية حول الليبرالية، وهو التحليل الذي وصلني من سعودية مستنيرة معروفة، وهي الأكاديمية رغد العبدالعزيز، باحثة الدكتوراه حاليًا في تخصّص اللغويات والأنثروبولوجيا.. تقول الاستاذة رغد: «الردود جاءت في أغلبيتها مؤيدة للتوجه الليبرالي ومُدركة لتوافقه مع روح الإسلام ومنهجه.. بل وهناك -مِن المعلّقين- مَن رأى أن المنطلق الذي ينطلق منه الإسلام هو المنهج الليبرالي متمثلاً في «لكم دينكم ولي دين». وما كفله من احترام لحق الجميع في المعتقد.. هذه الأغلبية المؤيدة، على الرغم من أن وجودها مُبشّرٌ يعكس تغيّرًا في وعي المجتمع وتعطشًا أوضح لمعاني الليبرالية ومنطلقاتها.. إلا أنه يترك تساؤلاً حول غياب وجود المعارضين الذين كانوا كثرة في السابق.. فهل شملهم الوعي ولحقوا بركب التغيير.. أم أن الأكثرية باتت أقلية تُفضّل الصمت؟!».
وبما أن الحديث عن الليبرالية وأصدقاء الفيس بوك، فمن المناسب أن أختم هذا الجزء بإشارة مهمة، وهي أن عددًا من الأصدقاء يشتكون مؤخرًا من غياب الليبرالية عند إدارة الفيس بوك نفسه، فقد ضاقتْ الحدودُ وزادتْ القيودُ على حرية التعبير، وأوقفت حسابات أعرفها جيدًا بلا مبرر واضح، فهي لم تكن تطرح إلا وجهات نظر أصحابها بأساليب جميلة!.
إضافة إلى أن إدارة الفيس أصبحتْ - كما يبدو- تتطفل على خصوصيات البعض، ومن ذلك مثلاً هذه الرسالة التي وصلتني وأوردها لكم كما وصلتْ بقلم صاحبتها:
«قرأتُ مقالك الرائع كالعادة الذي أنهيته بتنبيهنا إلى أن موضوع مقالاتك القادمة سيكون عنوانه: (حوار مع أصدقاء الفيس بوك). وددتُ لو أشرتَ في المقال المقبل باقتضاب إلى غياب الليبرالية في الفيس بوك نفسه، فقد تمّ إغلاق حسابي بسبب شروط تعسفية لا ينبغي أن تكون ضمن شروط التسجيل في موقعٍ للتواصل، كان أهمها إرغامي على تزويدهم بهويتي الحقيقية، موضحًا بها اسمي الكامل وصورتي وتاريخ ميلادي».
نتوقف هنا الآن، ونواصل في الجزء المقبل مناقشة ما طرحه عدد من أصدقائي الأعزاء حول الليبرالية في صفحتي على الفيس بوك.
- وائل القاسم