النهضة الثقافية وجه مشرق ووضاء، ومن حق وطننا الغالي دعم نهضته بشكل شامل وبناء، ولعل الأدب من أهم صور الثقافة حيث يعكس لنا مدى التحضر المجتمعي.
وتعد شريحة الشباب الشريحة الفاعلة للمجتمع وعليه فإن الاهتمام بهم دعم للوطن لما يمثله هؤلاء الشباب من تأثير كمًا وكيفًا..
كرسي الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة في جامعة الأميرة نورة أخذ على عاتقه هذا العام - مشكورًا - مهمة تحفيز وإبراز الأدب بشكل عام، وأدب الشباب المتقد بروح الطموح وجمال الإبداع بشكل خاص..
ومن باب إحقاق الحق والاعتراف بالفضل فقد سبق لموقع لها أون لاين أن اتخذ خطوة مماثلة تميزت بالاستباقية وتمثلت بإقامة كم كبير من الأمسيات الثقافية التي تعنى بأدب الشباب وقد أشرفت على الأمسيات الست الأولى منها ووثقتها في كتاب من جزءين موسوم باسم (أمسيات أون لاين الثقافية) والمطبوع بين عامي 1424 - 1426 هـ
وبفضل الله فقد أسهمت هذه الأمسيات في تحفيز الحراك الثقافي والنهوض بالأدب الحي وفي احتواء مواهب شابة شعرًا ونثرًا ونقدًا وصقلت قدرات شابة في التقديم المباشر وإدارة دفّة الأمسيات.
شاعرات وأديبات ومقدمات وناقدات أخذن مكانتهن اللائقة فيما بعد وأصبحت أسماؤهن متداولة ومعروفة، لأنه إذا ما قدر لمبدع أن ينثر إبداعه فعلينا أن نصفق له ونحمل ما خطت يداه على الأكتاف.
الشباب هم من نعول عليهم لشق الطريق نحو التطور والاستمرارية الناهضة على الدوام، وقد اخترت موهبة شابة كان الظهور الأول لها في تلك الأمسيات، الشاعرة الشابة هيفاء الجبري والمتخصصة في الأدب الإنجليزي مثالاً مُبهجًا.
هيفاء ظهرت في الأمسية الثقافية الثانية التي أقيمت 27-7-1424هـ وكانت تلك الأمسية انطلاقة حقيقية لعالم الشعر والأدب، إِذ ألقت عدد من القصائد الجميلة منها قصيدة (إليك سيدي) قالت فيها:
لا أريد القصر دعني إنني
غرني من ملكه ما غرني
لست بالتيجان أسلو لا ولا
بالسرير العسجدي المنحني
وهذه القصيدة على بساطتها وبدائيتها إلا أنها تتصف بالصدق والعاطفة وتتحدث عن مشكل اجتماعي متفشٍ.
ثم ما لبثت الشاعرة طويلاً إلا وقد أصدرت باكورة إنتاجها ديوانًا معنونًا بـ (تداعى له سائر القلب) صادرًا عن نادي الرياض الأدبي، أهدته الشاعرة لذاتها في إشارة واضحة للأنا المستفحلة داخل خلايا معظم المواهب الشعرية تقول:
إلى ذاتي..
السارحة في الوجود
ابتغاء صوت غير ذي أجل
سموه قديمًا.. شعرًا
ما حواه الديوان يعد قفزة مهمة في شعر الشاعرة وتطورًا لافتًا لموهبتها من حيث جمالية اللغة الشعرية وتوظيف المفردات ليونة وتثنيًا.
في قصيدها (شعر المبكى) تقول:
وأنا الشعر جل ما كنت أهوى
يعظم الحب حينما لا نراه
أين أبكي؟ وفي يدي ألف مبكى
وبقلبي حوائط لبكاه
لو أذابوا النجوم والشمس
ما قامت بصدري قيامة إلاه
نلحظ توسع مدارك الشاعرة وتعمق ثقافتها حيث وصلت القدس وحائط المبكى بعدما كانت مقتصرة على القصر والخيمة..
وفي البيت الثالث تحديدًا هناك استدعاء تاريخي لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام:
والله يا عم لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على شمالي...) الحديث.
الشاعرة أصدرت ديوانًا ثانيًا لها في وقت وجيز لا يختلف كثيرًا عن ديوانها الأول في المستوى اللغوي ولكن يتميز بالوفرة الإنتاجية حيث يحوي 81 قصيدة وعنونته بـ (البحر حجتي الأخيرة).
وهدا مقتطف منه:
إذا غادر الماء البحار فما له
من البحر غير الذكريات الموالح
يعيش غريبًا في عيون تقفرت
ليقحم بحراً في رمال الملامح
ختامًا.. فقد وفق كرسي الجزيرة في اختيار أدب الشباب موضوعًا له، وكل المُنى الصادقة له ولجهوده المخلصة بالرقي بالأدب والعناية باللغة الجميلة التي ليس مثلها لغة.
أمل القاسم - صيدلانية في المستشفى العسكري ومهتمة بالأدب والنقد المشرفة على أمسيات لها أون لاين سابقًا