البيئات الإدارية ساحة منافسة وفيها الكثير من المناكفة يصحبها حالات من الشد والجذب والضرب تحت الحزام ،كل ذلك يعنون بالمصلحة العامة وما تقتضيه !.
والعصامية فى معناها العربي القُح ان تصنع نفسك بنفسك، وفى عالم الادارة تعني ان تكون كفؤا لما أوكل اليك من مهام.
وعصام.. حاجب النعمان بن المنذر.. وهو الشاهد فى العنوان والمتن ،كان مثار اعجاب الناس فى زمانه كونه استطاع ان يرتقي سلالم المجد فى بلاط ذلك الملك ليصبح حاجبه وأمين سره، وفى ذلك قالت العرب: نفس عصام سودت عصاما.. وعلمته الكر والاقداما.. وصيرته بطلا هماما .
وفى عالم الادارة الحديث اختلفت معاني العصامية فأصبحت عظامية بمعنى ان كثيرا من المتنفذين صنعتهم الواسطة بتعاظم نفوذ شخص سبقه ليكون امتداده فى الشكل والمضمون .
عصام هذا الزمن قليل الخبرة، متسرع، ينظر للامور من خلال ذاته القصيرة المدى وخبرته التى لاتتجاوز الاشهر المعدودة يغضب لنفسه ويقرر تبعا لاهوائه، يمارس اقصائية تنبع من أناه الزائفة والتى تزين له الباطل فيراه حقا.
وعالمنا الاداري مليء بهذه النسخ المكررة من العصاميين الذين لا يألون جهدا فى تكريس صورهم وجعلها مؤطرة بالشعارات البراقة التى تدغدغ الجماهير وتخدرها.
هذه الطفرة العصامية متسرعة وغير مدركة لبواعث الامور ومقتضياتها، والسبب ان بعض النكرات فى هذه البيئات يتسلق من خلاله ويجعله سلما للوصول الى غاياته، هذا النكرة والذي يعتبر نهاية طرفية فى قسمه قد لايتجاوز تأهيله سنوات التعليم الاساسية ولكنه يملك دراية بالعصاميين صغار السن الذين بوأتهم المرحلة وإرهاصات اخطائها ليصبحوا الآمرين والناهين.
فان كان هذا العصامي مهندسا تجد النكرة يشد الرحال اليه ليخطط منزله، وان كان طبيبا مختصا فى القص واللصق فتجد هذا النكرة من زبائنه وان كان نافخ كير كان هذا النكرة هو منفاخه الذي يسعر به نيرانه.
العصامية تعني أن تكون حاذقا وقادرا على الوصول الى اهدافك بأقصر الطرق واكثرها نزاهة ونظافة، ولكن الطفرات الادارية الحديثة تكشف عن عصامية من نوع آخر، تدين بالولاء لذاتها قبل المنظومة ولمشاريعها الربحية قبل ان تفيد المجتمع واهله.
وهذا النوع من العصاميين لا يلبث ان يسقطه القدر فى شر اعماله فما يعتبره فى نفسه نقطة قوة يشرف من خلالها على العالم تصبح نقطة ضعفه التى قد تعيده الى مربع البدايات وتقوده الى مآلات الوجع والالم والحسرات .
إن أنظمتنا الادارية وما يداخلها من قصور واعراف خاطئة، كانت وستظل المنبت الذي يستنبت فيه مثل هولاء
فهم نتاج كل الصور الخاطئة التى نحكيها فى مجالسنا ويدورها اعلامنا، هم باختصار نتيجة فى اختلال المفاهيم وتنفذ البسطاء إرادة ودراية.
العصامية بالأمس كانت منهجا ومسلكا سلكه أصحاب العزائم القوية فخلدهم التاريخ فى صفحاته واليوم العصامية حورت لتصبح انتهازية ومحاصصة تخدم الفردية ومتلازماتها الموحشة.
لا نلوم العصامية المصطلح لغة ولكنني أمقتها وألومها بمفاهيمها الاصطلاحية السائدة اليوم.
وكما قال النابغة الذبياني فى بلاط الملك النعمان بن المنذر عندما حجب عن الدخول اليه :
فإني لا ألومك فى دخولي ** ولكن ما وراءك يا عصام ؟
- علي المطوع