لطالما اقترن لقب القبطان بقائد السفينة وهذا ما اختزلته الذاكرة الصغيرة منذ عهد الصبا وأصبحت قرينة نهتدي بها حين تُنثر أمنيات المستقبل على بساط النوايا الحسنة على أن قائد الطائرة والقطار أيضاً يلقّبون بالقبطان! ولكنّ الأسبقية كانت للسفينة التي لا نعهد لها تاريخاً سوى سفينة نبي الله نوح عليه السلام!
في رواية جزيرة الكنز للأسكتلندي روبرت ستيفنسون 1883م تظهر شخصية القبطان بقوة بل تجد أن البطل الحقيقي ليس جيم هوكنز الفتى الذي تدور الرواية حول بحثه عن الكنز في جزيرة نائية موحشة والمخاطرة التي كادت أن تكلفهم حياتهم بل كلفت البعض! بقدر الحكمة والشخصية القوية والإدارة الناجحة وتخطي العقبات بنجاح في قيادة الرحلات وسط صراع البقاء والموت المحدق من قبل القبطان القائد التي تعدد في الرواية من جون فلينت إلى ألكسندر سمولت حتى لونغ سيلفر! الضحايا لا يُذكرون تاريخياً إلا عند أبنائهم ثم تطمرهم رمال النسيان لأنهم مجرد عدد والإنجاز يُجيّر دائماً للقبطان فلا نعرف من كان في سفينة كريستوفر كولومبس! ولكن اكتشاف أمريكا كان باسمه كقبطان، ورأس الرجاء الصالح لا يوجد في قائمة الأسماء سوى فاسكو دي جاما وصديقه العربي ابن ماجد، فما بين الضفة من البحر والضفة الأخرى مسافات لا تُختصر في العبور وجرأة غير مترددة للمرء لملاقاة حتفه بموعد قريب قد يخالف ذلك بالصدفة عندما يكتب الله له ذلك أحياناً! فبالونات الضياع وقوارب الغرق في أمواج تعزف لحن الموتى وخيوطهم تنسج لحظاتهم وهم يتأرجحون في معركة أشبه بالخاسرة بين الحياة والموت فيقذفهم الموج من كل مكان إلى الساحل كالأسماك النافقة! خليط الرعب بين الماء واليابسة لم يترك مجالاً للاختيار فهي حياة واحدة قد تستحق المجازفة فالأمر سيّان إن كان على سطح الماء أو على الأرض فكلاهما دون قبطان يسيّر الدفة إلى شاطئ الأمان فإن يكون في جوف الأسماك أكثر راحة من أن تُقطّع أطرافه ويتدهده رأسه وهو ينظر دون حول ولا قوة فالبحر أمامهم والعدو خلفهم وصديقهم الجوع يتربصون كمصاصيّ دماء لا يعبأون بإنسانية أو خُلق! فمن المستحيل أن يتفوق ستيفن كينج على رعب داعش والحشد الشعبي - أستغفر الله - بل على قطيع الإرهاب وتجار الموت والبشر الذي نشاهد مآسيه بين الفينة والأخرى حتى لو أن سيناريو كينج كان حقيقياً! فلو كان لهم نصيب في جوائز الأوسكار لباتوا أوفر حظاً من غيرهم! التراجيديا أصبحت في وقتنا أشبه بالملهاة الهزلية المختلطة بالمأساة التي يمتزج فيها الضحك بالبكاء فتضحك عندما تنتابك حالة هستيرية مما لا تصدق ما ترى فعند شكسبير تنتهي المأساة أحياناً بنهاية سعيدة ولكن هذا من المستحيل أن يجري في وقتنا الحاضر! فأينما يممت وجهك شطر الجهات الأربع ترى ما لم تره في حياتك من قبل من أصناف الأذى وألوان البض!
ليت المتنبي قد عاش طويلاً ليدرك أن إساءة كافور أهون كثيراً من احتقار كرامة المرء بصورة مهينة في بلاد ليس فيها قبطان لا يقبلها إنسان سويّ في عالم بلغ غاية التحضر والرُقي! وليته لم يتحسر على زمنٍ نتمنى لو قايضناه بزمنٍ أصبح لا يدري فيه القاتل فيمَ قَتل ولا المقتول لمَ قُتل؟!:
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمنٍ!
يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ محمود
- زياد السبيت