د.عبدالله الغذامي
وصلتني تغريدة من ريم الجبرين تقول: (في عالمي لطالما ترددت جملة صامتة وأعتقد أنها من قريبات جملتك دكتور وهي: (فكري كامرأة واكتبي كرجل).
وهي تتجاوب مع نقاش نشأ في حسابي حول كتاب ستيف هارفي بعنوان (تصرفي كامرأة وفكري كرجل)، وقد وضع كتابه بعد خبرة له مع برنامج حواري في التلفزيون وظّف فيه مهاراته الكوميدية ونجوميته ليتعامل مع الحالات النسائية وما تتعرض له المرأة من تحيُّزات كانت مادة للبرنامج، وهو ما أفضى به لطرح هذه الرؤية التي صارت عنواناً لكتابه ومادة الكتاب نظرية وقياساً، ولقد لاقى الكتاب رواجاً كبيراً في أمريكا كحال الكتب الأكثر مبيعاً، وكأنما هو الحل السحري يتأتى في جملة واحدة تحسم كل الأمور، وقد رأيت إشادات نسوية بالكتاب وعنوانه، مع أن المقولة مقولة مغشوشة ثقافياً وفكرياً، إذ إنها تحسم أمر العقل والفكر للرجل وتدعو المرأة لأن تكون تابعة لهذا النموذج الفحولي، وكأنها غير متمكنة من صناعة عقليتها الخاصة ونموذجها المعرفي والفكري إلا عبر اقتفاء آثار الرجل (فكري كرجل)، وهذا في أصله نسق ثقافي ينسب العقل للرجل وينسب الكتابة للرجل، ويضع المرأة في خانة الحكي والعاطفة، بزعم أن العاطفة أقل من العقل مقاماً وبالتالي هي نصيب للفئة الأقل، وهذه كلها مفاهيم مغلوطة ومغشوشة، فالعاطفة ليست أقل من العقل، كما أنها ليست خاصة بالنساء، وهي عند الكل بلا استثناء، والعقل أيضاً عند الكل بلا استثناء، والمرأة ليست أنصافاً ولكنها (كل) مثل أي كائن بشري، وإن حرمتها الثقافات من التعليم ولم تتعلم إلا في وقت قريب في أوروبا وأمريكا وعندنا، في تفاوت في درجات تأخير التعليم النسوي، ولهذا تأخر دخولها في عالم الكتابة وعالم المناصب، وهذه حالة ظرفية ترتبط بتأخر تواريخ التعليم النسوي وليست بسبب عجز عقلي أو عجز في الأداء الكتابي. ولهذا فإن الانسياق لمقولات خاطئة مثل مقولة هارفي ليست سوى أصداء متأخرة لما خلفه النسق الثقافي الفحولي في الثقافة البشرية.