سعد بن عبدالقادر القويعي
ما أضعف الإنسان في لحظات عجزه، وما أعجزه عندما يحسّ بضعفه، فكيف به وهو يودع من يحب في صمت، ويبكي ولا يمسح دموعه، ويشتكي همه ولا يسمعه أحد؛ فتعجز كلماته في الخروج عند وداع من يحب، وتنحبس دموعه في عينيه؛ لأن رفيق الدرب، ومؤنس الوقت انتهت أحاديثه، واختفت كل سمراته، وضحكاته، وزالت كل حكاياته؛ فتوجعنا آلامنا، وتسحقنا آهاتنا حين ينساب حبر الفراق على ملامح من نحب.
سكب الدموع من دلائل رقة القلب، وحق لك أيها الشيخ الوقور أن تذرف دمعة وداع؛ حتى وإن أرقتك ألم الدمعة، ففقد الزوجة من أثقل المصائب، - خصوصا - عندما يتذكر الزوج حلاوة عشرتها، وصدق إخلاصها، وشدة وفائها، وكيف كانت مثالا للتضحية، والأمانة، عندها - فقط - سيرسم الحزن ما يريد على الوجوه، ويدمي القلوب؛ لأنه سيحرمهم من أجمل ابتسامة، وأروع قلب، وأحلى فرحة.
نتأمل النجوم الساطعة في أفق السماء؛ علها تحمل الأمل الأخير، إلا أن سنة الحياة الدنيا - هكذا - ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكَدَر، ورحلةٌ نسير فيها، ولا نعلم متى يسترد الله وديعته؛ حتى وإن استثمرنا فيها بقايا من حياة مخبأة وراء الأفق، في عالم لم نتعرف بعد على خباياه برغم امتداد العمر.
يكاد يُلجم أحرفي ألمُ الرحيل، فأي ألم يتركه الحبيب بعيد رحيله؟، وأي جراح ينكؤه حزن الزمان بفراقه؟، فالموت هو الحقيقة المُطلقة في هذه الحياة، وهو مصير كل حي، وختام كل شيء، ونهاية كل موجود - سوى الرب المعبود -، وهذه هي سنة الحياة، لقاء وفراق، ولن تجد لسنَّة الله تبديلاً، فمهما عاش المخلوق فهو إلى الموت صائر، وصدق الله القائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
أبا منصور .. لا تموت الذكريات، ولا أصحاب الأيادي البيضاء، فالألم موجع، ورائحة الشوق غابت عن ناظريك. ولن أجد من طيّب الكلام ما أعزيكم به إلا أن أناجي ربا قادرا مقتدرا، يحتسب للصابر أجره، ويعطي للمحتسب قدره، بأن يشمل الله فقيدتكم بواسع رحمته، ويدخلها فسيح جنته، وأن يكتب أجرها، ويخلّد ذكرها، وأن يخلف أسرتها فيها خيراً، وأن يمنح لها أُنساً، ويهبها أَمَانا، ويفْتح لها أبوابَ رحمته التي تُدني إليه الصَّفْحَ، والغُفْران.