د.عبدالله مناع
مع مغادرة الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة -الكوري الجنوبي الأصل-: (المستر بان كي مون).. لمنصبه في آخر يوم من أيام العام الماضي (2016م).. وقدوم الأمين العام الجديد البرتغالي الأصل: أنطونيو جوتيريس.. في أول يوم من أيام العام الميلادي الجديد (2017م) لتولي مهام منصبه كـ(أمين عام) خلفًا لـ(مون).. كانت مجلة (فورن بوليسي) الأمريكية المتخصصة في متابعة أحداث العالم السياسية وأزماته وصراعاته.. مصادفة أو عن قصد تلخص في (ريبورتاج) لها تلك الأزمات والنزاعات.. مشيرة إلى أنها: (عشرة) نزاعات تهدد العالم وسلامه.. بداية من الأزمة السورية إلى (داعش).. إلى منطقة الساحل الكبير الأفريقية: (ساحل العاج) و(مالي) و(الكونغو الديمقراطية) إلى (أفغانستان) و(ميانمار) وقتالها الطائفي بين البوذيين والمسلمين.. إلى (أوكرانيا) و(المكسيك).. إلا أنها لم تشر إلى (الأزمة الكورية الشمالية)، أو لأزمة الحرب اليمنية الدائرة بين الشرعية والانقلابيين، ورفضهم لقرار مجلس الأمن (2216).. أو لـ(أزمة) النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.. بعد الرفض الإسرائيلي لتطبيق قرار مجلس الأمن (2334) القاضي بـ(إيقاف) الاستيطان في أراضي السلطة الفلسطينية لعدم شرعيته.. وكأن (المجلة) أرادت بهذا التعداد الانتقائي للنزاعات والصراعات التي تهدد العالم وسلامه، إحراج الأمين العام الجديد!! أو أن تقول له بسوء قصد صحفي أمريكي هذه هي أزمات العالم ونزاعاته، فأرنا: ماذا ستفعل تجاهها؟.. بينما كان الأمين العام الجديد أسرع في تناوله لتلك النزاعات وملفاتها.. ولكن على طريقته التي لم تعجب الأمريكيين إجمالاً.. فيما يبدو، فقد اتخذ (قرارًا) لم يكن في حسبان الولايات المتحدة ولا في تصوراتها بـ(تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق «سلام فياض» مندوبًا للأمم المتحدة في الأزمة الليبية.. خلفًا للمندوب الأممي السابق «مارتن كوبلر»)، الذي لم يستطع أن يفعل شيئًا طوال العامين الماضيين من حين تعيينه عام (2015م) في إنهاء الصراع الناشب بين حكومة الوفاق الوطنية الليبية ومعارضيها.. أو بين (طرابلس) و(بنغازي).. لتثور ثائرة الإدارة الأمريكية الجديدة على هذا (التعيين)!! على لسان سفيرتها لدى الأمم المتحدة (نيكي هايلي)، التي قالت في بيان لها فور صدور قرار تعيين سلام فياض (إن بلادها تشعر بخيبة أمل إزاء اختيار «فياض»)!! وهي تتهم المنظمة الدولية بـ(انحيازها للسلطة الفلسطينية..لى حساب (إسرائيل)!! مشيرة إلى (أن أمريكا لا تعترف بدولة فلسطين أو تؤيد الإشارة التي سيرسلها هذا الاختيار داخل الأمم المتحدة)..!!
وإذا كانت (إسرائيل).. وهي دولة غير معنية بـ(اختيارات) الأمين العام الجديد (أنطونيو جوتيريس) لـ(سلام فياض) أو لغيره لأي مهمة دولية.. قد رحبت بهذا الاعتراض الأمريكي على تعيين (فياض)، الذي جاءها - كما يقولون - على طبق من فضة.. على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة (داني دانون) عندما قال: (هذه بداية عهد جديد في الأمم المتحدة، وواشنطن تقف بقوة إلى جانب إسرائيل في الساحات الدولية.. في وجه المحاولات المعادية لها)!! إلا أن دبلوماسيين أمريكيين أكثر اعتدالاً وإنصافًا (رأوا أن رد - واشنطن - الصادم تجاه تعيين «فياض» في المهمة الدولية لأنه يحمل الجنسية الفلسطينية.. يعتبر تصرفًا عنصريًا محضًا، يعطي انطباعًا سلبيًا عن العلاقة المستقبلية التي ستكون بين الإدارة الجديدة والسلطة (الفلسطينية).. بل وأبدي السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل «مارتن إنديك» - وهو من هو في ولائه ومحبته لإسرائيل - (اعتراضه على الخطوة الأمريكية) مشيرًا إلى (أن «نيكي هايلي» تنفذ فقط أوامر «ترامب» التي تأتيها بصورة مباشرة)، وهو ما فعله الدبلوماسيان الأمريكيان «روبرت دانين» و»جيرالد فيرشتاين».. بل ووصف «فيرشتاين» (فياض.. بأنه من الموهوبين في العمل الدبلوماسي، وكان شجاعًا في السعي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي)..؟!
لكن تبقى المحصلة النهائية.. لهذا الرفض الأمريكي الرسمي لـ(فياض) من جانب.. وهذا التفاوت الشعبي الأمريكي المغاير في إجماله لرأي الإدارة الأمريكية الجديدة من الجانب الآخر.. هي أن أمام الأمين العام الجديد (أنطونيو جوتيريس) سنوات صعبة، ومعارك أكثر شراسة من معركة تعيين (سلام فياض) خلال دورته الأولى في منصب الأمين العام للمنظمة.. إن أراد الحفاظ على استقلالية قراره وفق آليات العمل في المنظمة الدولية!
فماذا كانت ستفعل الولايات المتحدة الأمريكية.. لو أن (جوتيريس) عين مبعوثًا أمميًا (فنزويليًا) أو دبلوماسيًا (سودانيًا) لهذه الهمة..؟!
إلا أن بصيص أمل يبقى في الإدارة الأمريكية الجديدة غير المسيسة.. ليس بعد انقضاء المائة يوم الأولى من وجود (ترامب) في البيت الأبيض.. كما جرت العادة، ولكن ربما بعد انقضاء العام الأول من وجوده فيه.. إذا أخذنا في الاعتبار مجيئه إلى عالم السياسية وصراعاتها في هذا الوقت المتأخر من حياته وقد بلغ السبعين عامًا، ومن عالم لا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد.. هو عالم (المقاولات) والمباني وتجارة الأراضي والعقارات والأخشاب والأسمنت والحديد.. فإذا انتهت العاصفة التي صاحبت وصوله إلى البيت الأبيض.. في مائة يوم أو عام.. سنجد (الأمم المتحدة) و(الولايات المتحدة) نفسها أمام (رئيس أمريكي) لا يرفض تعيين (سلام)، ولا يسعى لبناء جدار مضحك مخجل.. يفصل بين بلاده وبين (المكسيك)!!
لقد كان العالم.. ينتظر بعد دورتي (بان كي مون) البطيئتين والباردتين.. بسبب هواه الأمريكي، أمانة عامة جديدة فاعلة.. تجدد شباب المنظمة الذي ترهل، فتنهي بحيويتها وتعاطيها الجاد ملفات صراعات أعضائها ومنازعاتهم.. أمانات عامة تذكر بأمانة السويدي العظيم: (داج همرشولد).. أو أمانة النمساوي العتيد (كورت فالدهايم).. أو أمانة الكيني الصلب: كوفي عنان..؟ وهو ما لم يتحقق في السنوات الماضية.
ولكن يبدو أن ظروف جغرافية توزيع المناصب الدولية في اختيار أمين عام لـ(المنظمة) من القارة الأوروبية.. هي التي جاءت برئيس وزراء البرتغال - السابق - أنطونيو جوتيريس..الأكثر استقلالية لترشيح نفسه لهذا المنصب الأممي، والفوز به.. ليجد العالم نفسهم أمام أمين عام جديد شجاع، يقوم في أول تعييناته بـ(تعيين) سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني السابق.. مبعوثًا للأمين العام في الأزمة الليبية وبكل ما يعنيه ذلك دون خشية أو خوف.. بل ويرد على من تحدثوا إليه عن تعيين (تسيبي ليفني) - التي شغلت منصب وزير الخارجية في آخر حكومة عمالية تشهدها إسرائيل - في منصب (مساعد الأمين العام) للأمم المتحدة.. بأنها أخبار عارية من الصحة، وأنه لو تم ذلك.. فسيكون أول منصب دولي (يمنح لمسؤول تضم سيرته الذاتية، اتهامات باغتيالات وبارتكاب جرائم حرب).. كما قال (جوتيريس) الأمين العام الجديد للأمم المتحدة!!