عبد الله باخشوين
قبل أن ننتهي من الحديث عن أمية ((القراءة والكتابة)) اكتشفت أننا دخلنا ((فصلاً)) جديدًا من فصول الأمية.. أو دخلنا على مرحلة ثانية من ((مراحل)) الأمية، اسمها ((الكمبيوتر)) والتقنية الحديثة للاتصال والتواصل. أدركت هذا بعد أن قرأت خبرًا يقول إن عدد الذين سجلوا في ((حساب المواطن)) يزيد على عشرة ملايين مواطن.
- «كيف سجلوا ياولد وانا حايس»..؟!
وجاء الجواب: إن كل مكاتب ((الخدمات العامة)) تضع على أبوابها لوحة تقول:
- ((تسجيل حساب المواطن هنا)).
وطبعًا الأمية ((الثانية)) التي أشرت إليها تتعلق بكل الأمور التي تتطلب التواصل ((أون لاين))، يعني عن طريق ((التقنية)).
ولا يغرك ((أصحابي))، يعنى من هم مثلي، ممن تجاوزوا ((الستين)).
ولا تغرك الأجهزة الحديثة التي ((يتفشخرون)) بها في أيديهم؛ لأن كل البرامج التي يجيدون التواصل معها هي ((برمجة)) أولادهم وبناتهم الصغار.. وقد سبق لي أن حاولت أن أجاريهم، واشتريت ((جهازًا))، وأخذه محمد على عجل، وقال: ((سويت لك إيميل وخط واتس اب وكل الحاجات اللي تحتاجها)).
وهذا يوم وذاك يوم.
أي شيء أبغي أدخل عليه يقول: ((حط الإيميل وكلمة السر))، ومحمد أرسلها أكثر من مرة.. لكن دون فائدة.. ((يا محمد طيب.. وجريدة الجزيرة.. كيف أتواصل معهم)).. قال ((خلاص ولا يهمك، أرسل لي وأنا أرسل لهم)).. و((قلنا تمام)).
وقبل أيام قلت لفاطمة:
- هيا.. بنتي حبيبتي.. أنت أحسن من أخوك.. أبغي فيس بوك وانستجرام وسناب وكل شيء.
نظرت لوجهي باستغراب وأخذت تضحك.. وتقول: ((كل هذي مهي عندك..؟! أجل اشعندك في الجوال))؟ قلت: ((محمد حط الوتس اب))؛ فزاد ضحكها قبل أن تقول لتنهي مشكلتي: ((كلها سهلة - هات إيميلك)).. قلت: ((ما عندي)).
قالت بدهشة: ((ما عندك إيميل وكيف مسوي في نفسك)).. قلت: ((اسألي أخوكي هو اللي سواه)).
عادت بعد قليل تواصل الضحك وتقول ((يا بابا انته يبغالك تأخذ دروس خصوصية في الجوال.. محمد يقول سوالك ثلات إيميلات ولا يدري أي واحد هو اللي شغال)).. قلت ساخرًا ((كل ما أسوي واحد أنساه وأقول أبغي واحد أسهل.. ويحوس في الكمبيوتر.. ويرجع يرسلي واحد ثاني.. وزي كدا)).
وبعد ضحك متبادل ومتواصل.. قالت بدهشة: ((أوف أجل انته كاتب كيف)).
قلت موضحًا: ((الكتابة بالعربي.. وأبشرك ما أعرف عربي.. أغلط في الإملاء والإعراب.. أبوكي ماشي بالدف)).. واصلنا الضحك إلى أن قالت: ((واللي قاعد يدفك من يوم ما دخلت المدرسة اللين اليوم ما تعب)).
قلت: ((والله هذي حكاية ما يعرفها إلا ربي.. بس انتي سويلي إيميل جديد ودخّلي الحاجات اللي قلتلك.. خليني أعرف الدنيا إيش فيها بدل الدش والتلفزيون اللي يعيد الفيلم عشرين مرة.. وأبشرك جيت ابغي أسوي اشتراك في الشوتايم برضهم طلبوا الإيميل)).
وبعد فصل طويل ضاحك قالت: ((طيب خلاص.. خليني أخلص شغلي وبعد نص ساعة أسوي جوالك)).
قبل أن تذهب قالت: ((يا خسارة يا بابا طلعت مقلب كنت أفكرك تتواصل مع الجريدة عن طريق الكمبيوتر)).
قلت: ((والله يا توتا الكمبيوتر ما قد لمسته أشوفه في يدك انتي واخوانك من بعيد لبعيد)).
طبعًا لم تفِ بوعدها، وظل حالي أنا وجوالي على ما هو عليه.
لذا أقترح على أية جهة حكومية أو خيرية أو تطوعية أن تفتح فصولاً مجانية خاصة لتقديم ((دروس مجانية)) خاصة للكبار؛ لتعلمهم الأسلوب المبدئي الصحيح للتعامل مع الكمبيوتر الشخصي، والدخول على المواقع الحكومية، وتعبئة استماراتهم، وإنهاء أعمالهم دون الحاجة لمكتب خدمات أو مساعدة أحد الأطفال. والله ولي التوفيق.