أهالي حفر الباطن يريدون محافظتهم بأن تكون حلم الزائرين بضوئها وبهائها وحضورها الأنيق، وأن تكون واجهة الناس ومنتهاهم، وأن تتسربل بحرير الأساطير ومناخ الروعة، وتتوج بسحر المكان وشلالات الإبداع والألوان القزحية، وأن تكون مثل الوردة والعطر والمطر والمساء وهواء الربيع والنجوم الساكنة وبهاء الصباح والشمعة الموقدة وبرد الشتاء الخفيف والمرأة الفارعة الحسناء والجديلة الطويلة المخضبة بالعطر والحناء، وأن تكون مثل مواسم المطر وخيوط الشمس ورتل النجوم وامتداد البحر وبرق الأفق وسيل المياه وظل الشجر وطير الحمام ومثل شروق يعقبه قمر، إنه نزع حلمهم وطموحهم ومبتغاهم ومرادهم، لأنهم منها ولها، ولأنها أول عشقهم وآخره، فهي المحافظة الأكثر حيوية وحركة ونشاطاً.
هذا ليس ترفا بالحلم ولا بالمخيلة ولا مستحيلاً، إن لمحافظة حفر الباطن تأثيرات وانبعاثات تستطيع من خلالها أن تفرض نفسها بقوة، لكن وجه المحافظة الحالم يتوارى خلف الفوضى العارمة والعشوائية الشائكة والعبثية المفرطة، لا تتسق مع مشهدها الحضاري الذي يجب أن تكون عليه.
محافظة حفر الباطن بحاجة إلى من يغسل وجهها وينفض عنها غبار وتعب السنين والارتباك والعشوائية، محافظة حفر الباطن بحاجة إلى من يبللها بالندى والعطر المميز ويرميها بالورد الأبيض والبنفسج دون إيذاء، وإلى من يرتب هدوءها ويخفف عنها الضجيج، محافظة حفر الباطن بحاجة إلى من يعيد إليها وقارها وهيبتها التي اختفت خلف فوضى الاجتهاد في مشاريع تتوقف طويلا عند منتصف الطريق دون اكتمال وإن اكتملت فهي كالجنين المشوه، محافظة حفر الباطن بحاجة إلى نقلة نوعية طافحة بالإبداع والابتكار والاستحداث العاجل، من أجل إعادة ملامحها الجميلة التي شوهتها عشوائية المشاريع البطيئة وعشوائية الحفر والردم والتكسير والتعبيد الرديء والسيئ الدائم والمتكرر الذي يبدو بأن ليله الغارق في العتمة والضارب بأطنابه لن ينجلي بسرعة ويزول، محافظة حفر الباطن تعاني منذ حين طويل من جراحات وتصدعات تشعرك بأن هناك خللا فادحا، وهذا الخلل يؤكده النقص الصريح بفقدان أغلب الإيقاعات الأساسية المتوفرة في أية مدينة عصرية.
إن الجرح الغائر الذي ينوء به جسد هذه المحافظة يتمثل بالدرجة الأساس في سيادة عبثية العمل ونمطية الإنجاز وعدمية التعبيد في الغالبية العظمى من أحيائها، وفوضى المرور وحركة النقل والنفايات والأرصفة المكسرة والمطبات الصناعية الكثيرة التي تشبه التلال، والتي تقطع أوصال الشوارع وتخفي جمال المحافظة، إننا نستطيع أن نقتفي آثار هذا العبث الممل من خلال المشاهدة اليومية التي نراها كزائرين لها ونمر عليها ونشاهدها بحزن يشبه الرحيل المر، محافظة حفر الباطن بكافة أحيائها وشوارعها وميادينها تستصرخ من يزيح عنها تلك الهموم بلمسة إبداع وقطرات مطر وريحة عشب ندي.
إن محافظة حفر الباطن تستحق أكثر مما هي عليه الآن، وأكثر مما هو في مخيلتنا من مفردات سحرية ومما في أفواهنا من قصائد غزل عذب ورقيق.
إننا نريد أن نستيقظ ذات صباح ونرى محافظة حفر الباطن وقد اكتست ملامح جديدة وأزالت عن وجهها كل التشوهات البشعة التي أصابتها بما يشبه لون الحريق، لقد أصابوا وجهها الحسن الرقيق كثيرا، محافظة حفر الباطن بحاجة إلى وقفة جادة ولمسة فذة من كل الأطراف لتعيد إليها ترتيب ملامحها وتلملم أطرافها التي تبعثرت بما يتناسب مع إرثها التاريخي العريق الشامخ.
إننا نأمل أن ينفض الغبار عن جسدها كل بصمات العمل العشوائي والمشاريع البطيئة التي تشبه سير السلحفاة العتيقة، لتصبح قادرة على أن تكون محافظة متفوقة وخيالية وحالمة، حالها حال كل المدن والمحافظات الحية في هذا الوطن الشامخ الحي، ولهذا يريدها أهلها وزائروها أن تكون عناقيد ضوء وحبات لؤلؤ وقناديل بشارة ولوحة سيريالية يفسرها كل بطريقته وعقليته وتفكيره.