أمل بنت فهد
أحيانًا تكون القسوة من تمام الحب.. ومن عمق الإيمان بمصلحة من تحبه.. حين ترى ما حُجب عنه.. على المدى البعيد.. وهو مندفع تحت ضغط العاطفة.. أو الضعف.. وبعد أن تمنحه فرصة الاختيار.. وفرصة إصلاح ما انكسر.. وحين ترمي له بطوق نجاة ويأبى أن يتمسك به.. هنا تحديداً عليك أن تتوقف عن دور المصلح.. وتتوقف عن المداراة.. وأن تخرج قلبك وتسحقه.. قبل أن تتمادى في الحماية.. والدلال.. والطبطبة.. ستتوقف عن هذا كله.. لأنه لم يتعلم الدرس.. ولن يتعلم حتى تسحب عنه جناح الرعاية.. وتضعه وجه لوجه أمام الحياة.
لو تعلم أيها الطيب كم في مبالغة الحماية من كوارث.. لرأيت الحدود التي تقف عندها.. ستحرره من اختناق الحب.. فإن كنت ستحميه دائماً حتى من نفسه.. فإنه لن يتعلم.. لن يدرك أن الحياة بقدر ما فيها من الخير.. فيها الشر.. إن لم تعالجه بسوط التخلي ستجلده سياط الذئاب حين لا تكون حاضراً لتدافع عنه.. حين تغادر الحياة.. ستترك من أحببت رضيعاً لم يفطم بعد.. خوفاً عليه.. ورحمة من صياح الجوع.. ستكون تركته قبل أن يتعلم كيف يحفر الصخر.. ويفجر ينابيع الحظ.. تركته قبل أن تطمئن على استواء عوده.. واشتداد جذعه.. ولسوف تسحقه الحياة بعد أن يفقدك.
الوفاء ليس في البقاء فقط.. وليس في المساعدة.. أو في الحماية.. بل يكون بالترك أحياناً.. يكون بالبعد.. يكون بالهجر.. حين يكون وجودك سبباً في أن يكون من تحب «رخواً» وضعيفاً.. متراجعاً.. اتكالي.. لأنك تخونه دون أن تدرك.. سوف يتكئ بثقله عليك.. ولأنك بشر.. سترحل يوماً.. وتتركه لسقوط سيدمره.. ويحوله إلى شظايا متناثرة.
في كل علاقة باسم الحب.. الأمومة.. الأبوة.. الصداقة.. الأخوة...إلخ يغمرنا شعور الرحمة.. ونغرقهم معنا.. دون أن ننتبه ونسأل: هل تعلموا السير دوننا؟.. أم أنهم ينتظرون أن نمد يد العون دون أن نعلمهم كيف يكونون أقوياء بذاتهم.. إن لم نفعل فإن الأنانية مستترة خلف الحب.. والسيطرة متوارية خلف قناع «الفزعة».
الحب الناضج بُعد نظر.. تفكير بالغد وليس اليوم فقط.. الحب حريتهم وليس استعبادنا لهم.. الحب أن يتعلموا كيف يعيشون وحدهم ويبقون بخير.. الحب أن نُريهم قسوة الحياة ونعلمهم كيف المواجهة.. الحب أن يكون لرعايتنا سقف وحدود.. ولأننا لن نبقى لهم العمر كله.. علينا أن نعدهم للعيش بعدنا.. وليس شرطاً أن يفهموا اليوم.. لأنهم حتماً سيعرفون يوماً ما.