د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** جمعته مناسبة خارج الوطن مع أحد الإعلاميين العرب دون سابق معرفة مباشرة، وتصادف أن ضمتهما جلسةُ عشاءٍ في مطعم الفندق، ودار الحوار حول ذكريات هذا الصحفي المهم، وفوجئ به يحكي دون تحفظٍ عن بعض ما رآه وسمعه خلف الأبواب المغلقة اتكاءً على ثقة زُرعت فيه من الذين استضافوه في لقاءات العمل وديوانيات المنازل.
** لم يتوقّع أن تكون أسرارُ الناس بمرمى أفواهِ من شاء كما شاء؛ فكيف بما قد يمسُّ رموزًا ذات تأثيرٍ في حياة العامة، وأيقن أن الأسواق «الشبكية» تقوم على مثل هذه الاختراقات الممنوحة برضًا ورغبةٍ وربما بطلب.
** لم يخصَّ بلدًا واحدًا، بل شرَّق وغرَّب، ولم يطل صاحبكم مكثًا لحرصه على النوم مبكرًا وعدم استمتاعه بمثل هذه الخفايا التي امتلأت بها الوسائط الرقمية دون أن يعبأ متناقلوها بتدقيقها وتوثيقها وتحجيم تناولها وآثام تداولها.
** قد يصمت هؤلاء ما دامت لهم مصالح، وحين يَقعدون أو يُقاعَدون سيفرُغون لكتابة مذكراتهم وسيروون فيها ما لم يروُوه زمن انتفاعهم، والمشكلة أن حكايات المشاهير ليست كحكايات غيرهم، فنحن نغضب ونرضى ونخطئ ونؤوب ونبتسم ونعبس ونجود ونقبض ولا أحد يهتم بنا، غير أن حادثةً صغيرةً من رمز سياسي أو مجتمعي أو إداري سيُتاجَر بها، وحين يتجاوز الأمر ذلك إلى خبايا بيوتهم وأُسرهم فالأمر يصبح تجارةً تجد - بكل الأسى - مرسلين ومستقبلين، وشواهدنا ما صدر من كتبٍ مشابهة انتشر أقلُّها واندثر أكثرها.
** الزمن اليوم أقسى بعدما تسيَّد الإعلام الرقمي بلمسة زر لا تحتاج إلى استجلاب الكِتاب والتحايل على الرقيب وتصويره خفيةً وقراءته بصمت، مثلما لم يعد الشخوصُ وحدهم في دائرة المحاكمة والحكم، بل السلوك الجمعي؛ فربما يتجاوز فردٌ على عامل لديه فتتخلق من ذلك رواية تنتشر في الآفاق كما صنع «بنيامين» الهندي في رواية «أيام الماعز» حين التقط الحكاية من صاحبها «نجيب»؛ فذاعت وطبعت أكثر من سبعين طبعة باللغة المحلية وترجمت إلى العربية والإنجليزية ولغات أخرى.
** سنُلام كلُّنا على سلوكٍ خالٍ من القيم الإنسانيةِ، وربما يساءُ للدين والوطن لمجرد أن رديئًا اختطف عاملًا من المطار وهو ليس كفيلًا له ورماه سنواتٍ في الصحراء عند حظيرة غنم وما تلا ذلك من أحداث وتداعيات سجلتها الرواية، ولن ننسى أن بيوتنا وشوارعنا ومكاتبنا ومؤسساتنا ملأى بقصص ستكون ميدانًا للمتاجرة من «روائيِّي ومؤرّخي» السائقين والعاملات وبقية المستقدَمين.
** المؤسف أن مقابل قصةٍ مشوّهةٍ ألفَ قصة جميلةٍ لن يُحتفى بها، وسيُبنى على الأولى نظرات ونظريات، وتتيه الأخرى إذ لا تصلح للمزادات، وهو ما يجعلنا مؤتمنين على سلوكنا اليومي مع القريب والغريب كي لا نكتشف يومًا أننا مادةٌ مزجاةٌ لمجاهيل يقتاتون على سمعتنا.
** الوعيُ التزام.