سامى اليوسف
في الحارات وفي تعاملات تجارها قديماً كان هناك دستور، لم يكن مكتوباً ولكنه محفوظاً بإطار الاحترام، يحفظ النظام، ويمنع التعديات، ومن يخترقه بالفهلوة، أو فرد العضلات يكون عُرضةً للتأديب، والعقاب الرادع من الكبار، أو الشيوخ.
في العالم المتمدن هناك قانون عنوانه الأمن ورأس ماله العدالة يحفظ للتاجر حقوقه، ويؤمن تعاملاته من العبث، ويجذب المستثمرين في بيئة حدودها وطرقها اللوائح والأنظمة، وهذا القانون يموت في حالتين إما بركنه وعدم تطبيقه، أو بتطبيقه على الضعيف وسكوته عن القوي صاحب النفوذ.. وموت القانون يتبعه فوضى تفضي إلى هروب التاجر بأمواله من بيئة العبث والظلم إلى بيئة العدل والأمان.
قضية اللاعب محمد العويس بين نادييّ الشباب والأهلي كانت الاختبار الأول لـ«اتحاد عزت»، لم نسمع له فيها صوتاً حتى اللحظة على الرغم من لغة التراشق الصاخبة بين المعسكرين وأنصارهما بالتصريحات والتغريدات والبيانات!
ولأن السلبية تغري المتجاوزين، فإن وحش التجاوزات والخروقات أخذ ينمو، وبرزت أنيابه ليغرس مخالبه مجددًا مع سبق الإصرار والترصد في جسد كرة القدم السعودية المثخن بالجراح بقضية صاخبة أخرى هزت الثقة مجددًا في احترافنا وبيئة كرة القدم السعودية، وأعني قضية توقيع اللاعب عوض خميس لعقدين مع ناديين متنافسين الهلال والنصر، وهذا الاختبار الثاني لـ«اتحاد عزت» الذي بات على المحك إما أن يكتب فصلاً جديدًا، أو أن يكون مجرد «رتويت» لاتحاد عيد الذي رحل غير مأسوف عليه!
يُحسب لاتحاد عزت قرار رفعه لسقف طلب الحكام الأجانب إلى 8 طواقم، وإبعاد رئيس لجنة الحكام السابق عمر المهنا، وكشفه لتجاوزات مالية فاضحة لاتحاد عيد، إلا أن قراريّ تكليف الحكم مرعي عواجي برئاسة لجنة الحكام، وإبعاد رئيس لجنة الاحتراف الدكتور عبدالله البرقان يُحسبان ضد عمله، في حين ينتظر الشارع الرياضي تدخلاً حاسماً يحفظ للأندية كرامتها، وحقوقها، وإرساء قواعد العدل في التعامل، تشجيعاً لبيئة الاستثمار في كرة القدم السعودية المقبلة على مشروع اقتصادي كبير وهو الخصخصة الذي سيحدث نقلة نوعية في مسار احترافية رياضتنا وإدارتها، وركيزة هذه النقلة هي الأمان بحفظ الحقوق، والمعاملات، وتطبيق العدل دونما ازدواجية في المعايير.
وهنا، يجدر بنا توجيه رسالة لسمو رئيس الهيئة بأن يتحاشى التعليق أو الحديث صراحة في قضايا هي من صميم عمل اتحاد كرة القدم، فالتعليق الذي صدر عنه في تصريح متلفز حول «قضية العويس» يفترض أن لا يُصرح به في قضية منظورة، وساخنة لم تُحسم بعد قانونياً، فكلماته «قد تُفسر» للرأي العام على أنها توجيه لمسار القضية، أو تدخل، أو فرض وصاية لأن أي حديث يصدر عن سموه يمثّل وجهة النظر الرسمية للمرجعية الرياضية.
وأوجه رسالتي الثانية لرؤساء الأندية، وأعضاء الشرف من أصحاب النفوذ والسطوة على الأندية بأموالهم، ومكانتهم الاعتبارية أن يكونوا هم القدوة، وأول من يمد يد العون لاتحاد القدم الجديد، وهيئة الرياضة في مساعدتهما للمضي قدماً في تنفيذ مشروع الخصخصة، وتطبيق النظام، وإرساء قواعد الاحترافية والمهنية في إدارة كل ما يتعلق بكرة القدم السعودية، وأن يجعلوا من كرتنا حدودها لا تتعدى المستطيل الأخضر بعيدًا عن الحروب الشخصية، وتصفية الحسابات، وخرق النظام الذي ينفر العقلاء من المشجعين والمستثمرين، ولا يزيد بيئتنا الرياضية إلا تعصباً وإسفافاً.
كلنا أمل وثقة بإدارة الاتحاد الجديد أن تعمل باستقلالية، وحسم في فرض شخصيتها ووجودها بقوة النظام من خلال تطبيق للوائح المعتمدة والمعروفة لدى الجميع دون تسويف، أو تردد يفتح مجال للتسويات الجانبية التي لا ترفع من سور النظام أو تمنع المتجاوزين.
أخيرًا
«صاحب الحق لا يُحسنُ أحياناً إظهار حقه، كما يُحسنُ صاحب الباطل إخفاء باطله».