د عائض محمد آل ربيع
استبشر قطاع كبير من الإيرانيين خيراً بعد الاتفاق النووي الذي منحه الرئيس الأمريكي السابق أوباما للنظام الإيراني، وصادق عليه البرلمان بعد موافقة المرشد علي خامنئي، وخرج التابعين له في الداخل والخارج في مظاهرات مؤيدة له حتى في أمريكا نفسها، يقول المفكر الإيراني كاظم موسوي رئيس مركز دائرة المعارف الإسلامية الكبرى في كتابه إيران بعد الاتفاق النووي «إن الاتفاق النووي مرحلة مفصلية في تاريخ الثورة الإسلامية وبداية لفصل جديد في تاريخ الثورة ومن هنا ولاحقاً يمكن أن يتم تقسيم تاريخ إيران بعد الثورة إلى قسمين ما قبل الاتفاق النووي وما بعده».
إن تلك المرحلة الجديدة والآمال التي عقدت عليها ستذهب أدراج الرياح؛ لأن إيران لم تجن من اتفاقها سوى علاقات محدودة ومكاسب ضئيلة كانت في مجملها تصب في مصلحة الشركات الأوروبية المستثمرة من إيطاليا وفرنسا أكثر مما يفيد الاقتصاد الإيراني، كما أنه فرض على إيران تقديم كثير من التنازلات والضمانات التي قد تتسبب في أضرار كبيرة للاقتصاد الإيراني في حال عدم الإيفاء بها.
بعد ترشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئاسة وعد بتمزيق الاتفاق النووي في حال فوزه بالرئاسة، وبعد فوزه بالرئاسة واصل ترامب تصريحاته العدائية لإيران، لم تكن مثل هذه التصاريح الإعلامية للرئيس الأمريكي من فراغ فالمراقب لمعظم التحليلات السياسية للخبراء السياسة والمتخصصين في الشأن الإيراني -العرب على وجه التحديد- يلاحظ أنه منذ تم الاتفاق النووي أصبح هناك شعور بعدم جدية الجانب الأمريكي في التعامل مع إيران، وعدم تقديرها للمخاطر التي سببتها إيران ولازالت بتدخلاتها في الشئون العربية، هذا الشعور تولد لدى الشارع العربي أيضاً واستمر حتى بعد انتخاب الرئيس الأمريكي؛ وبناء عليه وجد صانع السياسات في أمريكا نفسه في حاجة لإظهار جديتها فيما يخص قضايا الشرق الأوسط التي أهملها الرئيس السابق ومنها التعامل مع إيران.
في الواقع أن الاتفاق النووي ليس اتفاقاً بين إيران والولايات المتحدة وحدهما بل اتفاق دولي صدر بقرار من مجلس الأمن ولن يكون من السهل إلغائه؛ لكن النقطة الأهم في الاتفاقية الشهيرة هي اشتراط استمرارية الاتفاق بمدى التزام إيران بسلمية برنامجها النووي، والحقيقة أنه قيدها فلا يسمح لها بالانسحاب منه وهو ما يجعلها دوماً تحت ضغط أياً من تلك الدول ومرتبطاً بمدى علاقتها ببعضها، ومرتبطاً أيضاً بمصالحها، وما سوف تقدمه إيران من خدمات لسياسات هذه الدول في المنطقة.
بالانتقال للمرحلة الحالية فلم تكن التجربة الصاروخية الأخيرة -لتلك الصواريخ المتهالكة- إلا بالون اختبار عن مدى إمكانية استمرار المرحلة السابقة ومواصلة التقارب السري والمعلن الذي تم بين الدولتين تحت غطاء الاتفاق النووي وبتسهيل من اللوبي الإيراني في أمريكا، والمجموعة التي تحيط بحسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف والذين سيكونون ضحايا تلك المرحلة، وسبق أن وصفهم المتشددون عند إبرام الاتفاق بالخونة.
كان رد ترامب على هذا الاختبار الإيراني فرض عقوبات جديدة وبغض النظر عن جدوى تأثير تلك العقوبات فإن هذا الأمر يتوقع أنه سيقوي قبضة المتشددين في إيران؛ وبالتالي سيدعم المرشد باختيار أحد قادة الحرس الثوري لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستقام في مايو 2017، يؤيد ما نذهب إليه تأسيس عدد من كبار قادة الحرس الثوري أحزاب جديدة لدخول الانتخابات المقبلة مثل محمد باقر ذوالقدر ونعني باختياره أي بشكل أدق تعيينه من قبل المرشد ومن ثم يتم تفصيل الانتخابات عليه كما حصل في كل الانتخابات الإيرانية كما أفاد بذلك أكثر من واحد من كبار قادة النظام مثل مهدي كروبي ورفسنجاني وعلي مطهري وغيرهم، أو كما قال ممثل المرشد في الحرس الثوري وظيفة الحرس الثوري تفصيل الانتخابات بشكل معقول.
نستنتج مما سبق أن هناك تحولاً جديداً في النظام الإيراني فبعد أن كان الحرس الثوري يقوم بتزوير الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح المرشد وكان آخرها ترشيح حسن روحاني من أجل التقارب مع أمريكا وانتهت تلك المرحلة بالاتفاق النووي.. أما المرحلة الجديدة فيبدو أن اللعب سيكون على المكشوف فسيتم ترشيح أحد الحرس لرئاسة الجمهورية وإن حصل فلن تخرج الرئاسة من أيديهم حتى بعد وفاة الخامنئي، وخاصة أنه لم يعد هناك منافس بعد وفاة رفسنجاني.