سعود عبدالعزيز الجنيدل
يقول الفرزدق «أنا عند الناس أشعر العرب ولربما كان نزع ضرس أيسر علي من أن أقول بيت شعر»، ويقصد صعوبة قول الشعر حتى وإن كان اسمه الفرزدق.
أرى من وجهة نظري أنّ هذا هو حال كثير من المبدعين، فلا تتوقع أن الشخص المبدع أيا كان تخصصه، قد وصل إلى ما وصل إليه، بكل يسر وسهولة، وأن طريقه كان مفروشاً بالورود.
قالت العرب:
لا يدركُ المجدَ من لانت مآكلهُ
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فأنت في مضمار كبير، وفيه الكثير من المتسابقين، أنت وحدك من يحدد مكان وقوفك، ومكانك بين هؤلاء المتسابقين، فمثلا: بعضهم سيكتفي بوجوده بين هؤلاء المتسابقين، ولا يهمه حتى وإن كان آخر الركب، وبعضهم لا يرضى بأقل من المراكز الأولى.
وفِي هذا المضمار تظهر وبوضوح المقدرات عند الناس، والهمم العالية، والصبر والجلد، نعم إنه ميدان تنافسي بعيد عن الخمول والكسل، والانشغال بسفاسف الأمور، كما أننا لا نخشى صعود الجبال كما قال الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبَدَ الدهر بين الحفرْ
إذن أنت في مضمار تنافسي إياك أن تنظر فيه إلى الخلف، ولتكن نظرتك إلى الأمام دائما، وليكن طموحك عاليا يلامس عنان السماء.
يقول امرؤ القيس:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة
كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
هذه الحياة كما فهمها العرب، وكما أفهمها أنا، حياة صعبة شاقة تواجه فيها صعابا شتى، ولا تتصور أن يكون طريقك مفروشا بالورد والسجاد الأحمر، بل عليك أن تنحت الصخر والحجر لتحقق ما تصبو إليه، وتذكر مقولة الفرزدق الشاعر العربي الفذ الذي لا يشق له غبار، الشاعر الذي قال مئات القصائد، كيف يرى صعوبة قول بيت واحد!.
فانظر لنفسك، واكتشف قدراتك، المهم أن تحب ما تعمل، وتعمل ما تحب ولا تفعل إلا الذي تقدر عليه. يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - « قيمة كل امرئ ما يحسن»، ويقول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
وعليك بالجد والمثابرة وبذل الغالي والنفيس، وتسأل عما أشكل عليك.
سئل ابن عباس - رضي الله عنه- : أنى لك هذا العلم؟ « فقال: قلب عقول، ولسان سؤول».
طريق المعرفة واضح للأريب، لا يهم الوقت الذي انقضى بل المهم هو القادم، فاصنع لنفسك مكانا بين هؤلاء المتسابقين، وحاول أن تكون من أوائل الواصلين إلى خط النهاية بجهد وعرق حقيقي، ومنافسة شريفة في مضمار النجاح والإبداع، ولا تنس أن النجاح متاح للكل، وليس حصرا على أحد، وتمنى لأخيك ما تتمنى لنفسك، ولا تحسد الآخرين، بل أغبطهم، والفرق واضح وجلي بين الحسد والغبطة، وتذكر وعورة طريق النجاح، وصعوبته.
وأخيراً تذكر هذه المقولة:
تكسير مجاديف الآخرين لا يزيد من سرعة قاربك.