سمر المقرن
في كل دول العالم، عندما ترعى جهة حكومية أي احتفال أو فعالية فهي إما أن تكون مجانية أو تكون مقابل أسعار رمزية، ونحن كشعب جديد على مناسبات الترفيه فرحنا بها، وأسعدتنا المناشط التي تقوم بتنظيمها هيئة الترفيه، لكن الأسعار الخيالية المعلنة عن تذاكر الحفلات التي ستقام في الرياض وجدة، أثارت استغرابي كون هيئة الترفيه هي القائمة عليها وهي جهة حكومية أن تتقاضى هذه المبالغ الملتهبة وغير المنطقية، مع العلم أن لها مخصصات من الميزانية العامة للدولة، وأنا هنا لا أطالب بأن تقوم بعمل فعاليات ذات محتوى عالي ترفيهي متميز دون مقابل، إنما ما أطالب به هو أن لا تتكسب من الجمهور المتعطش لهذه الفعاليات، بل تتقاضى -على الأكثر- قيمة التكلفة، وحتى لو وضعت أسعاراً أقل في مكاسبها من تكلفة الفعالية فهذا ليس فيه منّة من الهيئة لأن لديها مخصصات حكومية تدفعها مقابل أن تقوم بعمل هذه الأنشطة، لا أن تجني المكاسب المادية العالية من ظهر الناس العطشى للترفيه.
لا أريد أن أقسو كثيراً على هيئة الترفيه، فهي لا تزال في بداية طريقها، لكن الذي يحصل هو ما يشير إلى وجود إشكالية لدى هيئة الترفيه بأنها من «محدثي الترفيه».. وهذا ما يجعل قياس المكاسب لديها غير موفق ولم يتم على أسس مدروسة تجاه الأسعار مقابل الفعالية ما يعني إلى أن هذه الفعاليات تدخل في التصنيف «النخبوي» وأنها موجهة لفئة معينة من الناس، مع أن هذه الفئة ليست بحاجة إلى فعاليات هيئة الترفيه لأنها مرفهة ولديها إمكانيات السفر إلى الخارج عدة مرات في السنة، بينما الفئة الحقيقية التي تحتاج إلى الترفيه هي فئة الناس غير القادرة على دفع ما يزيد عن 2000 ريال مقابل ساعتين أو ثلاث في حفلة غنائية، هي ذاتها الفئة المحرومة من السفر للخارج والحصول على الترفيه من مصادره الطبيعية!
هناك عزيمة لدى هيئة الترفيه وإصرار على عمل شيء جميل للناس، لكن المشكلة كما أراها أن من يقوم على عمل الخطط هم من الفئة النخبوية المرفهة التي تسافر عدة مرات في السنة، ولا ترى بأساً في شراء تذكرة لحفلة غنائية بآلاف الريالات. ولعلي في وارد التذكير بأن خطط الهيئة بحاجة إلى تلّمس احتياجات الناس وقياسها بميزانية الإنسان العادي الذي لو احتاج إلى السفر للخارج سيضطر إلى اقتراض مبلغ أو بيع شبكة زوجته، وكذلك الإنسان الذي لم يسافر إلى الخارج وقد لا يكون لديه جواز سفر وينتظر أن يجد البهجة والسعادة في مدينته.. هذه الفئة هي المستحقة لفعاليات هيئة الترفيه التي ترى هذه المناشط من بعيد، تماماً كما يرى الفقير الجائع الطعام ولا يستطيع أن يتذوقه، وأتذكر هنا قول المصطفى عليه السلام: (شر الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء دون الفقراء)..!