يوسف المحيميد
حينما أرسل الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب عمله الفني «المبوله» في عام 1917، إلى جمعية الفنانين المستقلين ليشارك به في معرض الجمعية الفني، وتم رفضه من قبل الجمعية كونه مجرد مبوله جاهزة الصنع من البورسلين، ما جعل دوشامب يستقيل من الجمعية احتجاجًا على موقفها، لم يكن يتوقع أنه دخل بالعالم إلى مرحلة فنية جديدة، بعدما أزاح التركيز من على العمل الفني نفسه كمادة، إلى ما يمثله العمل من أفكار ومفاهيم، لتظهر فيما بعد تجربة الفن المفاهيمي، الذي تم تكريسه في الستينيات من القرن الماضي في الغرب، وانتقل إلى العالم العربي بشكل أسرع من انتقال المدارس الفنية الأكثر قدمًا، حيث استغرق عشرين عامًا فقط، ليظهر في المنطقة نهاية الثمانينيات من القرن الماضي من خلال بعض الفنانين العرب الذين تلقوا دراساتهم الأكاديمية في الخارج.
ورغم الفارق الكبير في الرؤى وكسر المعتاد والمألوف الذي خلقه دوشامب والأجيال اللاحقة في الغرب، إلا أنني تذكرت ذلك حينما قمت بجولة في معرض (تراثنا حبنا) في دورته الثالثة، ورأيت بعض الأعمال الشبابية المجتهدة في المجال المفاهيمي، ومعظمها بسيطة ومتواضعة القيمة، لأن هذا الفن حتى وإن اعتمد على الفكرة والمفهوم، فهو يبحث دومًا عن التفرد والتميز والاختلاف، بل والمفاجأة في تقديم الفكرة، لكن البساطة في سهولة تحويل كل شيء إلى فن، سمحت للجميع بالمبادرة في التقاط الأفكار المرمية على الطريق، الأفكار الجاهزة والعادية، وتمثيلها في أعمال فنية!
أقول ذلك، لأنني أتساءل حول معنى أن يرسل أحدهم «تمرة» للمشاركة في هذا المعرض، ويسمى عمله هذا «جوهرة سعودية»؟ هكذا ببساطة مجرد تمرة، يقوم المشرفون على المعرض بقبولها ووضعها على قماش مخملي، داخل صندوق زجاجي مغلق، وتُقدم باسم الفنان جاسم الضامن، كعمل فني جديد؟
لقد تجاوب المنظمون مع هذه الفكرة، وتساهلوا كثيرًا بقبولها، كما لم يفعل الفنانون الفرنسيون في جمعيتهم برفض عمل مارسيل دوشامب، وهذا سيشجع شباب وشابات كثر بتقديم أي فكرة بسيطة وسطحية في الأعوام القادمة، فلا يكفي الفن المفاهيمي أنه منح لقب فنان لمجرد مفكر، أو صاحب فكرة فقط، ومن غير موهبة، وبمنفذين حرفيين آخرين، وإنما فتح الباب على مصراعيه لتقديم أي فكرة مهما كانت بسيطة وساذجة، ليطلق مرحلة من الفن التسطيحي!