كاتب فهد الشمري
لا شك أن لهذه المناسبة أهمية وللذكريات نكهة جميلة تأتي كالربيع، خصوصاً حينما تكون متعلقة بشخصية فذة أجادت صياغة الأحداث، ولم تصغها الأحداث، وهذا لا يحدث إلا مع العظماء في كل عصر وزمان، ومن أولئك العظماء الذين شهد العالم مسيرتهم، وما زال حتى هذه اللحظة لا يستوعب بحق قدر تلك الشخصية العظيمة التي تفردت بكل ما تحمله كلمة التفرد من معنى في شتى مناحي الحياة، وتلك الشخصية هي شخصية المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيّب الله ثراه- الذي أسس لحضارة عملاقة، وبنى في وقتٍ كان العالم بأسره مشغولاً بالحروب والنزاعات، حتى وجدت بلاد الحرمين الشريفين بصورتها التي وقف لها العالم احتراماً وتقديراً.
وما أجمل أن تأتي المناسبات التي تنقل إلينا صورة الماضي بشكله ونوعه، ويصبح الحاضر مختلطاً به كماً وكيفاً وحجماً ونوعاً، فيشهد ميدان الملك عبد العزيز مناسبة جميلة ورائعة وهي مسابقة كأس المؤسس، في الوقت الذي يخبرنا الماضي أن الخيول هي الطريقة التي جاب بها المؤسس هذه البلاد طولاً وعرضاً حتى أسسَّ أمام العالم بأسره المملكة العربية السعودية، والتي أصبحت مع الأيام من أكثر دول العالم قوة، وباتت تعلو على هام العلا، أمام القاصي والداني.
إن هذه الكأس لها قيمتها الفريدة كتفرد من تحمل اسمه، ولا شك أن من سيحصل عليها سيكون متفرداً في مجال الفروسية، فهي الكأس التي تحمل التاريخ في طياتها، وينبثق منها عبق الجزيرة العربية بلون ونكهة ونظرة المؤسس، الذي حول مسار الجزيرة العربية، وغير شكلها ولونها في بضع سنوات حتى صارت بمثل ما يراها الناس اليوم.
إن الفروسية تراث عربي قديم قدم الإنسان العربي، ومن يدرس شخصية الملك المؤسس يجد فيها أن الفروسية كانت سمة بارزة في شخصيته، ولكنها لم تغطِ كامل شخصيته، لوجود العديد من الصفات التي غطت على جوانب شخصيته حتى صارت شخصيته متفردة في كل شيء، ولم يكن في ذهن من يراه في أيام حياته إلا أن يتمثل قول المتنبي وهو يصف والي حمص في أيامه حينما قال:
دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ
ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ
في فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ
صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ
تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ
منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ
قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ
في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ
حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ
تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ
رحم الله ملكنا المؤسس وطيّب الله ثراه. إن الفروسية تراث وتاريخ وجزء لا يتجزأ من موروثنا الوطني، حيث سار على نهج وخطى المؤسس من بعده أبناؤه الملوك السابقون -رحمهم الله- فيما يتعلق بالاهتمام بالفروسية ودعمها وها نحن هنا نحتفل اليوم بهذه المناسبة التي جرت العادة أن يحضرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس الفخري لنادي الفروسية أو من ينيبه.
وعندما نتحدث عن الفروسية فمن الواجب أن نستذكر بصمات الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- الذي أوكلت له مهمة رئاسة نادي الفروسية من قبل الملك فيصل -رحمه الله- حيث أعطى الفروسية أهمية من وقته وجهده حتى ورث هذه المهمة من بعده الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني رئيس مجلس الإدارة لنادي الفروسية الذي تشبع حب الفروسية منذ صغره حتى استلامه لإدارة هذه الفروسية الأصيلة والتي تتلقى الدعم والتشجيع من لدنه, ومبارك لمن يفوز بهذه البطولة من الملاك والفرسان، وأذكّر الفائز بها أنه لم يحمل مجرد كأس بل سيحمل تاريخ أمة و اسماً له في التاريخ مكانة لا يعلى عليها.
ندعو الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وولي ولي عهده الأمينين.