كنت وحيداً.. أتحدى بأحلامي.. وأتصدى للزمن العاتي.. وأرسم بآمالي خطوطاً عريضة.. كنت وحيداً.. لم أسكب دمعاً.. ولم أعرف هماً.. أو أجد حرقة في صدري أبداً.. ومرّت الأيام.. وجابهني الزمن.. تحدى أحلامي.. وحطم أمنياتي.. أبت مشيئة الله إلا أن تفرّق أحبتي.. أبت سنة الله في الحياة إلا أن تحرق صدري.. قبل سنوات رحل أبي.. بكيت.. وبكيت.. حتى أحسست بحرقةً في أحشائي.. ونارٍ تتلظى لا يطفئها حتى الدمع... وتمضي الأيام.. وتظل ذكرى أبي وصورته في حياتي.. وستظل جرحاً غائراً في صدري.. تنبشه قشات الزمن.. لأرفع كفيّ إلى السماء (يا رب.. اغفر له وارحمه.. واجزه عني خير الجزاء..) وتمضي الأيام.. ويعود قدر الله ثانية.. فيخفي أمي باللحد.. ليعود الحزن بجلبابه.. فيخيم عليّ.. ثم أجد من يخفف عني وطئت الألم الحارقة بنظرة حانية.. بكلمة صادقة تبرد النار التي تشتعل في جوفي.. كل الحنان.. كل الأخوّة.. كل الوفاء.. كل الصداقة.. كل الحب.. تجسدت فيه لتخط اسم تلك الشخصية التي ما برحت تعانق مخيلتي.. إنها شخصية شيخي محمد بن صالح السحيباني.. نعم.. هو بحنانه.. بعطفه وتشجيعه.. بصداقته وصدقه.. جاء ليعزيني مع ما يشكوه من ألم.. أحسست بقيمتي.. وعدت لأبني صرح آمالي من جديد.. وتمضي الأيام.. ويقف حكم الله متحدياً مرة أخرى.. ليحرمني منك.. ألا ما أمرّ الفراق وما أقساه.. جرح غائر يثعب.. وصمت قاتل أسود.. ويأس مطبق.. ودموع تترى.. وآهات حرى.. حين أقف في لحظة من لحظات الذكرى.. وأدير بها عقارب الزمن إلى الخلف.. وأفتش في أوراقي.. سأذكرك.. نعم سأذكرك.. لن أنسى من أحببت.. وأنا أسترجع آخر اتصال منك.. وكلماتك الحزينة.. تلك الليلة (أبو عبدالله أفطن للجمعة غدا)..! لن أنسى أسلوبك المشجي.. وكلماتك الحزينة.. يا ساكن بطن الأرض..!! ستظل تحرق فؤادي ذكرى فراقك.. وسيظل في صدري حنين دائم.. وآلام وأشواق.. غمرت الدموع وجنتيّ.. وعجزتْ أن تبدد حزن فؤادي.. لكم كتبتُ حروفي.. ولكم نمّقتُ أسلوبي.. ولكن.. لم تكن تتساقط الدموع بمثلها الآن.. فأنا أكتب وقد اختلطت دموع الحرقة بدموع الحبر.. إليك يا من أشعلت في دربي قنديلا.. حين خبت الأنوار.. وانتشلتني من الحزن الدامس لتبعث فيّ أملاً بالنهار.. ما زالت في أذنيّ نصائحك.. لازالت كلمة (اعتبرني أخوك) لا تفارق مسمعي.. تشعل النار في صدري.. كيف فارقتنا !!.. سأبحث عنك في المستقبل في زوايا العالم الجديد ولن أجد مثلك.. إلا أيشاء الله!. لن أنسى وفاءك ومحبتك وأخوتك.. وسأظل أكتب لك.. وعنك.. وفيك.. وسأظل أكتب حتى تنتهي السطور أو يجف القلم.. أقسم بالله أنني أكتب لك من فيض مشاعري المتوهجة بصدق.. وإحساسي الذي ذرفت من أجل فراقك أحر الدموع.. وبعد كل دموعه أستنزف الحبر الذي به يكتب.. أحس أن حروفي شعرت بك وأنت تحت الأرض.. سأظل أذكرك كلما واجهتني خطوب الحياة وفاءً لك.. سأذكرك في وقت أصبحت فيه غريبا.. سأبقى طوال عمري أذكرك.. فلتعذرني حروفي ولتسامحني... إن زادت خربشاتها.. فأنا لن أراك بعد اليوم..!! ولكن ستظل في الذاكرة حباً خالداً خالصاً صادقا.. وفي لحظة من لحظات الروحانية.. في قيام ليل سأرفع كفيّ إلى السماء وأدعو الله أن يرحمك ويجزيك عني خير الجزاء وأن يرزقك الأمن يوم الفزع ويبيض وجهك يوم تسود وجوه العصاة ويجعل ثوابك أعلى الجنان ويجمعنا بك بدار الفردوس وهو القادر وهو أرحم الراحمين.
- صالح الحسون