محمد آل الشيخ
الانفتاح، ونبذ التشدد، ليس خياراً اليوم، وإنما ضرورة أمنية واقتصادية ملحَّة؛ فقد أثبتت أحداث العقود الأربعة المنصرمة من تاريخ المملكة، الارتباط الوثيق بين الانغلاق والتشدد من جهة وبين الإرهاب من جهة أخرى. المسألة لا تحتمل المكابرة ولا المغالطة، بقدر ما هناك من الشواهد والأدلة والمؤشرات الموضوعية التي تثبت ذلك إلى درجة القطع وليس الاحتمال. صحيح أن ليس كل متشدد هو إرهابي بالضرورة، ولكن الصحيح أيضاً أن كل الإرهابيين قاطبة كانوا متشددين متزمتين في البداية، ومن ثم أصبحوا إرهابيين متأسلمين قتلة دمويين. كما أن فشل الدول التنموي بالمعنى الشامل للتنمية، هو عنصر مساعد يجعل من الدول كيانات هشة ضعيفة، عندما تعصف بها رياح الثورات والاضطرابات تسقطها بسهولة، كما كان وضع الدول العربية المهترئة تنموياً التي عصفت بها رياح ما يُسمى الربيع العربي الدموي المشؤوم.
ومن يقرأ ويتعمَّق في ظاهرة الربيع العربي التي عصفت ببعض الكيانات الهشة، والأخرى التي عجزت عن الإطاحة بها، يجد بوضوح أن العامل المشترك بين الدول المنهارة كان ضعف التنمية الشاملة عموماً، والتنمية الاقتصادية والخدماتية بشكل خاص. ومن أهم محفزات النمو الشامل الانفتاح الاجتماعي والتواصل مع العالم المتفوق حضارياً، وتهميش الفكر المتزمت المنغلق، وبالذات الذي يقوده وينادي به الحركيون المتأسلمون المسيسون. فهذه الفئة الانتهازية تعلم يقيناً أن الانغلاق، والتشدد، يصب في مصلحتها، ويُهيئ السُّبل لأضعاف الكيان اقتصادياً واجتماعياً، وتقل بالتالي موارد المواطنين المعيشية بسبب الانغلاق فتتفاقم البطالة، وتكثر الأزمات والاحتقانات والتوترات التي من شأنها دفع الساسة المتأسلمين إلى السطح كمخلِّصين، وتدفع كذلك بأفكارهم وما يطرحون إلى التألق. لذلك كله يقف المتأخونة السعوديون - مثلاً - ضد الترفيه والغناء والمعازف، في حين أن كبار الإخوان، كالقرضاوي، والغزالي والهالك حسن البنا يصرحون على رؤوس الأشهاد أن الغناء والموسيقى فعاليات مباحة لا يحرمها الإسلام. والسؤال هنا: هل هذا تناقض بين إخوان الداخل السعودي وبين زعمائهم وكبار منظريهم في الخارج؟.. الإجابة ببساطة: (لا)، فلدى الحركيين المتأسلمين مبدأ ثابت فحواه: العبرة بالمصلحة السياسية العليا للجماعة لا بالحلال والحرام، بالشكل الذي يمكّنها من الوصول إلى كرسي السلطة، وهذا الثابت يدور مع المصلحة حيث دارت. فجماعة الإخوان المتأسلمين في مصر - مثلاً - كانوا قبل أن يتسلّموا مقاليد الحكم يشنِّعون بإباحة بيع الخمور في بعض الدول العربية، لكنهم حينما تمكنوا من السلطة في مصر، أبقوا تراخيص محلات بيعها كما كانت. فالمزايدة على التحريم كانت لأسباب سياسية وليس عن عقيدة، وحينما وصلوا للسلطة أصبحت الخمور مباحة لأنهم يعلمون أن منع بيعها سيضرب القطاع السياحي. تحريم بيع الخمور قبل الوصول إلى السلطة، ثم إباحتها بعد الوصول إليها، يكشف بشكل واضح وفاضح أن القضية لديهم ليست قضية حلال وحرام، وإنما الهدف الوصول إلى السلطة، والغاية تبرر الوسيلة.
أعرف أن هناك أناساً يؤمنون بحرمة الغناء والمعازف والترفيه بصدق وليس رياءً وتأسلُّماً، إلا أن الحركيين المؤدلجين يرفعون شعار التحريم لإيهام الدهماء من العوام أن المملكة لا تُحرم ما حرم الله، رغم أن قضية الغناء والمعازف من أشهر مسائل الخلاف الفقهية، ومن قال إنها تحظى بالإجماع فقد طفف وافترى.
إلى اللقاء.