رمضان جريدي العنزي
قنوات «الهياط» انتشرت كانتشار النار في الهشيم، ودبت كدبيب النمل، لم تعد قنوات تثقيفية هادفة، تدنى مستواها إلى مستوى السطحية والتهريج، أصبحت استهلاكية بحتة، ملاكها تجار وليسوا محترفين، أن سعار هذه القنوات المذهل في الهياط أنتج ثقافة صفراء ومسخ فكري، وإحداث شرخ عن طريق خلق حالة الإزدواجية في المفاهيم والقيم الاجتماعية، قنوات ربحية هدفها جباية المال وليس تعميق مفاهيم الناس ثقافتهم ومداركهم، هذه القنوات الفضائية ركزت على الملذات السمعية والبصرية وفق تضخم كمي هائل من البث اللحظوي، لكنها بعيدة عن المستوى الفني والجمالي، هذه القنوات تعيش حالة من الصراع والتأرجح والاغتراب، وتسببت في إشاعة العديد من القيم والسلوكيات السلبية كالعنصرية والتفاخر والكراهية والـ(أنا) والـ(نحن) المحدد، أن هوس هذه القنوات في بث الهزيل من البرامج والمواد أدى إلى تدني الذوق العام وانتشار الإسفاف والغثاء، لم تعد هذه القنوات تتوارى خجلاً مما تنتجه وتبثه، أن الدور التثقيفي والتوعوي والحضاري اختفى من برامجها وتوارى خلف كواليس رمادية وخطاب واهن، أن على هذه القنوات أن تعرف جيداً بأنها تحمل مسؤولية أخلاقية وأدبية ودينية تجاه حماية المجتمع من التشويه والانحراف باتجاهات لا تمس لقيمنا وأدبياتنا ومبادئنا ولحمتنا وإرثنا بصلة، أن الإسفاف والتهريج التي تبثه هذه القنوات ينم عن تردي الذائقة لديها، ويمكن وصف البرامج والمواد التي تبثها بالساذجة والسطحية والمضحكة، أن القنوات الركيكة في بنيتها، والهزيلة في تشكيلاتها، لا يمكنها أن تطرح المبادرات وتقود التحولات، لأنها لا تملك الأطر والإمكانيات والقدرات التي تعبر فيها عن الطموح والآمال، ولكونها فاقدة لإستراتيجية الترتيب والغاية والهدف، أن معظم البرامج التي تبثها هذه القنوات ضعيفة وهشة ورسالتها مشوهة غير قيمة ولا فاعلة، أن الإعلام الفضائي ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتوعيته وتأهيله وتثقيفه، إن قلة الضوء الذي يخترق المياه يحدث ضرراً في الأحياء النباتية المفيدة، ويساعد على ازدهار الطحالب والعوالق، والماء الذي يفقد خواصه الطبيعية يجعله غير مستساغ للاستعمال الآدمي، ويؤدي لاكتسابه الرائحة الكريهة وتغير لونه ومذاقه، وأيضاً التلوث النفطي والبيئي وطبقات الجو العليا، وكذلك تلوث النبت بالمخصبات الزراعية، سواء كانت آزوتية أو فوسفاتية أو بوتاسية، تعتبر كلها كوارث طبيعية تعكر نمط الحياورتمها ومزاجها، كذلك هي قنوات الهياط الفضائية، التي هي بالأصل ليست حقلاً يانعاً، وتوالدها ليس مثل سنبلة، ولا مثل سريالية لوحة، ولا حديقة غناء، ولا أقحوانة، ولا لون بنفسج، أو طعم فستقة، بل فلسفتها غير نزيهة، وحكمتها غير بالغة، وبعد نظرها شحيح، وتشكيل كلامها باهت، وتجاوز مستويات الكلام عندها غير منطقي ولا معقول، أن الهياط المفرط يؤدي إلى الإرهاق والتوتر والقلق والاضطراب، فيزيد نسبة الضغط، ويوسع بؤبؤ العين، ويجعل عمل الغدد الصماء مضطربة، ويتلف قدرة السمع، ويحدث الألم والسقم والاحتقان، أن على قنوات الهياط الفضائية أن تكون قنوات بناء وإعلاء، وليس قنوات هدم وتخريب، وان تبعد كثيراً عن التوحش في المادة والبرنامج، وأن ترقى بنفسها نحو رؤى خالدة، وتطلعات هادفة، والأهم من ذلك أن تعلن هذه القنوات بشكل إتحادي واضح وقوي بأن لا للهياط، وأن تتظافر جهودها لمعالجة هذا السلوك المريض، وأن تجفف مستنقعات الجهل، والتمجيد المقيت، وأن ترتقي بالناس وتأخذهم نحو العطاء والإبداع والتفاعل، إن النجاح الحقيقي لهذه القنوات يتحقق في صنع أحلام الناس ورسم خريطة آمالهم، واكتشاف مكامن قوتهم لتصبح مصدراً للتعبير عن أرواحهم وخوالجهم، ليس للقنوات الفضائية في ذلك سوى ترشيد الخطوات، وتفجير الطاقات، وتنمية المواهب، وتعليم الناس أنماط البناء وقواعد التميز، بعيداً عن سلب الأحلام من عقولها وإلباس الناس رداء لا يتسع ولا يروق لهم، ولا يرقى لذائقتهم.