عمر إبراهيم الرشيد
تعد رواية (الجذور) من المؤلفات المؤثرة في المجتمع الأمريكي ثقافيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا، وملهمة لكتّاب السينما ومنتجي هوليوود؛ إذ تم إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات لتلك القصة. ومن يقرأ هذه الرواية الواقعية من حيث الأصل يقف على خلفية واضحة، تفسر له ما يحدث حاليًا للأمريكيين من أصل إفريقي من مواجهات وظروف اجتماعية وثقافية وفكرية يعيشونها، حتى مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض؛ إذ يلاحظ أن حوادث قتل الأمريكيين الأفارقة ازدادت وتيرتها خلال فترة رئاسته. أقول واقعية من حيث الأصل؛ لأن مؤلفها - وهو أحد أحفاد بطل القصة - جمع كل ما يتعلق بجد الأسرة من تاريخ شفهي من كبار السن، ولم يكتفِ بذلك؛ بل سافر إلى غامبيا، وتحديدًا إلى قرية جده (جفوري)، والتقى أجداده هناك، الذين أكدوا له ما جمعه من سجلات ووقائع؛ فقرر إثرها كتابة قصة جد الأسرة (كونتا عمر كونتي) المسلم الذي اختُطف مع رفاقه من أهل قريته ضمن عمليات بيع للرق، نمت بعد اكتشاف الأمريكتين وغيرهما من العالم الجديد. أليكس هالي الموظف في البحرية الأمريكية كان يستغل أوقات فراغه على متن السفينة في القراءة والكتابة لبعض الصحف، ثم تقاعد للتفرغ أكثر للكتابة؛ فكانت (الجذور) الرواية الواقعية التي اشتُهرت عالميًّا، وليس فقط في أمريكا، وتُرجمت إلى العديد من اللغات. وإذا كان هناك عُرْف لدى المثقفين والنقاد والقرّاء بشكل عام بأنه ليس هناك رواية خيالية تمامًا وبعيدة عن واقع المؤلف أو حياته الشخصية، فإن الروايات الواقعية أو المبنية على أحداث حصلت بالفعل تجتذب القراء والمثقفين عبر العالم؛ ذلك أن الإنسان مجبول على حب الاستطلاع ومعرفة تفاصيل الحياة الشخصية، سواء للكاتب بقلمه، أو من يكتب عنه. كما أن الإنسان مجبول على الشغف بالقصة وتتبُّعها عوضًا عن التنظير أو النصح أو النقد المباشر؛ لذا تحتل القصة ثلثي القرآن الكريم نظرًا لتأثيرها في النفوس، وتصوير العبرة والدرس من لدن علام الغيوب {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ...}. وإن كانت الرواية تكشف لك خفايا مجتمع مؤلفها وما يدور فيه، عاداته وطرق تفكير أفراده، بل حتى مائدته وفنونه وثقافته، وخصوصًا تلك الروايات الرصينة العالمية بأقلام كبار الروائيين في العالم، فإن رواية (الجذور) صوّرت المجتمع الأمريكي في بدايات تكوينه، وأحواله الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية، وتجارة الرقيق، وقصة اأفارقة ووضعهم الاجتماعي آنذاك؛ ما يساعد على فَهم خلفية ما يجري حاليًا في المجتمع الأمريكي عرقيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. طابت أوقاتكم.