د. خيرية السقاف
العدل يقول: إن «التعميم» و»الإقرار» حين يُصدر برأي من عامة الناس ليس فيه مصداقية, ولا يمت إلى الحقيقة, فكيف إن كان أسلوباً يتبعه مسؤول, أو ذو قرار, أو صاحب شأن في مضمونه..؟
ولتقريب المثل للأذهان نتخيل أن يدخل والد بيته فيجد حجراته في فوضى, وعبث, تتناثر قطع الألعاب, والأثاث؛ ما ينم عن أن أطفاله قد فعلوا ذلك؛ فيذهب يلوم الجميع دون استثناء, ويعنّف جميعهم, ولا يسمح لأحدهم بأن يبرئ نفسه إن كان بعيداً عمن فعل هذا, بل قد يكون ممن وجههم للهدوء, وطلب إليهم الترتيب, وتنظيم القطع في أمكنتها, وتنظيف المكان, بل قد يكون هددهم بالشكوى إليه حين «حضوره»!!
لكن الأب يغضب, ويصب عليهم جميعهم هذا الغضب دون استثناء..!!
فكيف يكون التصرف الصحيح لمعرفة حقيقة الموقف, ومن ثم معاملة كلٍّ بما فعل؛ ليجزي البريء من العبث بالثناء والتقدير, ويعاقب الفاعل به بما يرى..؟
قياساً، هناك في جميع وقائع الحياة ينبغي التمييز بين التفاصيل؛ فلا ينبغي أن يهضم حق مثابر, ومنجز, ومجتهد, فقط لأنه عضو في مؤسسة شاسعة, وبعيدة أطرافها عن عين الراصد النزيه..
هذه ملاحظة بدرت لي حين تصدر تعاميم من شرائح المجتمع على فرد ما, أو جماعة, إما سالبة فتؤذي من لا علاقة له بها, أو تحرمه من حق التقدير على أقل اعتبار..
والشاهد هنا أن مؤسسة التعليم ذات شطرين: أحدهما تعليم الذكور, والآخر تعليم الإناث.
وحين يُنظر إلى حجم هذه المؤسسة بكامل أعضائها, ومختلف مهامهم/ هن, وأدوارهم/ هن, فإنه بكل تأكيد هناك المجتهد/ة, المتطور/ة, الفاعل/ة, المثمر/ة, وهناك المتقاعس منهما الذي يأخذ لتوصيل مهمته أقصر الطرق, وهناك من هم في الوسط، هكذا مرة, وهكذا أخرى.
ففي مدارس البنات تحديداً - حسب متابعتي, واستناداً إلى النتائج المتاحة لي, وإلى معطيات مواقع إدارات التعليم - نقرأ ما يثلج الصدر عن نتائج التدريب, والحرص على تطبيق الاستراتيجيات التي تقدم لهن في الدورات, وتلمسها المشرفات, وتتابعها القيادات لكل إدارة؛ ما يجعل من أي تعميم لرأي سالب في أدائهن دافعاً للإحباط..
ولعل فيما يشارك في تقييمه الآباء والأمهات ما يندرج ضمن أخذ الاعتبار له قبل التعميم عنه.
فلئن كان من الغاية الوصول إلى واقع التعليم من قِبل المعلمات والمعلمين على وجه من الدقة والأمانة, فإن المقياس هو إخضاع الأداءات جميعها بتفاصيلها وباختلافها وبمحاورها، إدارية وتعليمية وتقويمية, لمقياس دقيق, ودراسة مستفيضة، تضع في أول حساباتها ومعاييرها الفروق بين الشطرين, ومحصلات الأداء بينهما.. ولسوف تخرج - بلا شك - بنماذج مميزة, وبنتائج تؤكد تطبيق استراتيجيات درب عليها وخضع لها منسوب التعليم في كلتا الجهتين, وسيظهر أن هناك بالتأكيد من حصد نجاحاً, ومن لم يفعل..
وهناك مؤشرات كثيرة تقول: إن في هذه المؤسسة (شطر الإناث) من لا يمكن أن يوضع في خانة المقصر, الملقن, بل لا يستحق أن يحبط في تعميم من السهل أن يطلقه الكتّاب, أو الصحافيون, أو المتفاعلون في وسائل التواصل, أو في الإعلام بشقيه..
هناك ما يحتاج إلى مقياس دقيق، يُبنى على الحقيقة, وواقع التنفيذ, ونتائج الأداء فردياً, وجماعياً. فالتعميم يظلم الأفراد مستقلي الجهد, في كل حال, ومكان. فلا للتعميم حين يُتخذ حُكماً مطلقاً ليس له ضوابط تحمي منه الخارجين عن مضمون ما فيه من الرأي, أو الحكم المعلن به.. أو حين يكون مرسلاً بلا حقيقة؛ فيغطي على عجز, أو نقص ما، حين يأتي في صورة مديح لا حقيقة فيه.