د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** الحديث اليوم للرقم والصورة والكلمة الشفافة؛ فمن يملك المعلومة أو أجزاءَها يستطيع الاختيال بها والتعانق مع القوة الكامنة فيها حتى لو شابها شيءٌ من عدم الدقة أو بعضٌ من التدليس، وحين تُنفى بأرقامٍ موازيةٍ يقع الاضطرابُ في التحليل والتدليل؛ فلا يدرك المستهدَفون أين تسكن الحقيقة.
** الناس أو فئامٌ منهم لا تثق في «الرسميِّ» فتميل إلى تصديق غيره، وهم أو أكثرُهم يتمنون ألا يلجأُوا لمصادر نائيةٍ عنهم لولا ظنُّهم - الممتدُّ من لدن الإعلام الموجه حتى الفضاء المفتوح - بأن الشك مقدمٌ على اليقين والمبالغة تتساوقُ مع البلاغة، وقد نام العرب عام 1967م يعدُّون الطائرات الصهيونية التي أسقطوها ويحلمون بعودة فلسطين ثم استيقظوا وقد ضاعت «فلسطينات».
** المصادر الأخرى ليست يقينًا كلُّها، بل ربما زادت تكاذيبُها فضلّت وأضلت، ولكن زمن الرقم المرتبط بالصورة حجَّم مسرح الرواية وأطلق منصة الرؤية وأضحى الحديث المباشر الشفَّاف وحده مقبولًا سواءٌ أجاء الرقمُ بشيرًا أم نذيرا.
** يبقى أن يتوقف محلّلو المصالح وممثلّو المسارح عن القيام بأدوار الوساطة بين الرقم والفهم كي لا نعود إلى الزاوية الرابعة ننتظر قياساتٍ لا تجيء.
(2)
** هل نحن نتغيّر أم نتأثر أم نعود إلى حقيقتنا؟ وهل من يخشون مستجدات «زمن العالم الرقمي» واعون بما كنا عليه خلال دورات مجتمعية سابقةٍ لن يختلفوا حول فضلها، بل أفضليتها؟ وهل يمكن أن تسبب لنا احتفالات « ترفيهية» - كانت موجودةً قبل متغيِّرات 1979-1980 م - خطاباتٍ ضاجةً بالخوف والوعيد؟ وهل نُذكرهم باحتفالات مماثلة في ليالي العشر الأخيرة من رمضان وبسينما الأندية الرياضية وحارة السينما في الرياض وفندق أبحر والأحواش في جدة؟ أفكنا ضالين حينها أم أننا انغلقنا بعدها؟ أوَ لا يجوز عزوُ الاختلاف إلى تباين آراءٍ فقهيةٍ ذات وزنٍ؛ أجاءت في جانب التحريم أم التحليل؟
** استفهاماتٌ تطرحها الجلسات الخاصة والمنابر العامة أملًا في أن نلتفت إلى الغد المملوء بهواجس الحدود والوجود والانطلاق نحو الأفق أو التيه في النفق؛ فهل نستطيع إعادة الرأي الفقهي إلى مساره اللائق به انفتاحًا على الرأي الفقهي الآخَر الذي اتسع لأكثرَ من إجابةٍ فلم يشقَ محرمٌ بمحلّل ومتسامحٌ بمتشدد؟
(3)
** الصورة فاصلة هذا الزمن الرقمي؛ ففيها الصدق والتمويه، والحقيقة والزيف، والتفسير والتعمية، والدلالة والغموض، وربما سارت أو طارت بها الشبكات ثم اكتُشفت مدخلاتٌ تقنية غيرت حالها وبدلت مآلها؛ فظَلمت وأظلمت.
** وإذن؛ فإذا كان الرقمُ والصورة مشكوكًا بهما والحديثُ مبنيًا عليهما فالعالَمُ الرقميُّ بكل منحنياته يحتاج إلى وعيٍ بالمُنتَج والمنتِج، ومثلما كانت لدينا إذاعاتٌ ووكالاتٌ ذاتُ مصداقية فإننا بحاجة كذلك إلى وسائط تنتفي منها أهواء المعويَّة والضدية.
(4)
** المنطقُ منطلق.