سعد بن عبدالقادر القويعي
أيّا ما كان لباس من حرّض على هيبة الدولة، فإن الهدف في حقيقة الأمر، هو زعزعة أمن البلد، وإثارة الفرقة، والفتنة، فالتحريض لا يقترفه إلا من يملك أدوات التوجيه، والتأثير على المجتمع، والأفراد، - سواء - بنفوذ مادي، أو معنوي، - وسواء - تضمن الأمر، أو الإكراه. أي: أن تبعة المحرض ستبقى مستقلة بخلاف تبعة الذي وقع عليه التحريض؛ الأمر الذي سيجعل من وضع المحرض - في بعض الحالات - أسوأ من وضع الفاعل؛ لأن الغاية من ذلك هو الردع، وأن تكون العقوبات وقائية، وهدفها حفظ النظام العام، وحماية المجتمع.
في ظل التدفق المعلوماتي الذي أصبح أسرع من النار في الهشيم عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، فإن أسوأ أدوات التحريض، هو الخلط بين لغة التحريض، وحرية التعبير، - وبالتالي - لا تستطيع التميز فيه بين محق، ومبطل، ولا صادق، وكاذب، ولا غاش، وناصح؛ فأصبحت دعاوى التحريض ضد مصالح الوطن، والتي تتستر خلف شعارات دينية، أو وطنية - مع الأسف - من أدوات الحرب المستعرة على دولتنا، ويتعاملون مع هذه الدعاوى كحقائق؛ بسبب كثرة تداولها، وشيوعها، وكلما أخمدت نارها في موضع أوقدت في آخر؛ لتثير الفتنة، والبلبلة، وتضر بالسلام الاجتماعي، والاستقرار الوطني.
نعيش - اليوم - مرحلة خطيرة من التحريض في مواقع التواصل الاجتماعي؛ باعتبارها سبب للفوضى، وتهديد للأمن، والأمان، مما لا يسوغ عقلاً، ولا شرعاً، ولا قبول له تحت أي مبرر كان؛ ومن أجل معالجة المستجدات، والتي من أبرزها: حالة امتهان التحريض المفتوح على مصراعيه، فإن المحرِّض في النظام السعودي يعاقب بنفس عقوبة مرتكب الجريمة المحرَّض عليها، ومثال ذلك: ما جاء في المادة التاسعة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ونصها: «يعاقب كل من حرض غيره، أو ساعده، أو اتفق معه على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، إذا وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض، أو المساعدة، أو الاتفاق، بما لا يتجاوز الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها، ويعاقب بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها، إذا لم تقع الجريمة الأصلية»، وتصنف هذه العقوبة في الفقه الإسلامي في باب التعزيرات.
لا مكان لتغريدة متطرفة تُحرض الرأي العام بلا حق، وتُثير بلا دليل، وتبث الشائعة، وتتهجم على بلادنا، ومكتسباتها، ورموزها، وقياداتها؛ لتفرق، ولا تجمع، وتهز ثوابت مجتمعنا، وتنزع الثقة من رجالاتها من العلماء الراسخين، والساسة الصادقين، والوطنيين المخلصين، - ولذا - فإن التحدي الأكبر أمامنا، يتمثل في قدرتنا على تفعيل نظام تجريم مصادر التحريض في الداخل، والخارج؛ من أجل المحافظة على وحدة الجماعة، والتي تعتبر من أعظم أصول الإسلام، وحِفَاظاً على حوزة المسلمين، وحراسة للوطن، والدين.