رمضان جريدي العنزي
أصبحت مفتوناً بـ«حائل» مكاناً، وتاريخاً، وكرماً، ومعنى، بعد أن ذهبت إليها مع صديقي الودود، أدهشتنا حائل، حتى أصابتنا بسحر المكان ومغناطيسيته، حائل مدينة خرافية، فالبيوت أشبه بالدوالي عناقاً وتعريشاً وتآخياً وهمساً وجمالاً، لا شيء فيها يفسد الروح، ويعكر المزاج، ويكدر صفو البال، كل شيء فيها يدعو للحب والألفة والتآخي والجمال، مثل لوحة زاهية بالألوان، الشوارع، والحارات الحانية، والأشجار، والجبال، ووداعة الطيور، والسحاب والغيم من علو، المشاهد فيها رائقة، مثل لهفة قابعة في الروح، وانتشاء في الجسد، ها نحن نجول في حائل، ونمضي نحو «أجا وسلمى» ونخيلها العتقية، وسواقيها الصافية العذاب، نمر البيوت كساعي بريد، نسمع الترحيب من أناس حباهم الله الشعر والطيب والألفة والكرم، في حائل تتسع الأمكنة، وتصبح التلال كعش من الخضرة العابقة، والوجوه سلال من تين ورمان وفاكهة أخرى فاخرة، وجوه الناس هناك أشبه بهالات الضوء التي مستها الحمرة القانية، يا لهذه المدينة الندية، وجمالها الذي يتشكل على ريث ومهل، ويا لوقع الخطى فوق شوارعها العتيقة والجديدة، ويا لتغريد طيورها الدانية، ويا لسعادتنا بالبكور فيها والمبيت، ونظرات الناس تلفنا بالترحيب، والهمهمات تصل إلينا بالتحية والسلام، ها هي الجبال المحيطة بحائل شاهقة وتاريخية، بعلوها وتفاصيلها التي تخطف الأبصار، وحصاها سجادة ذهبية الألوان، تتحرك السحب فوقها، فكأنها تتحرك في تماوجات تشبه حمحمة الخيل قبل الطراد، صخور وردية وجيرية وصلدة نداهة لكأن الصبح أضاءها، أو لكأن السحاب الأبيض الرخي خصها بالبيان، هناك بين الجبال قرى وبيوت وأشجار ونخيل وحجارة ناهضة على شكل عتبات، وربما صفصاف أو زيزفون، تتمايل وتتراقص كيفما يهب الهواء العليل، حائل مثل نبعة أعطت ماءها للجرار، فتستلم الجرار ماءها قطرة قطرة حد الامتلاء، جمال حائل مثل العسل يسيل من أقراص الشمع، حائل حوض ماء، وقنديل سهارى، ومثل دالية معروشة فوق عتبات البيوت، رائحتها حبق وريحان وبن، الحياة فيها تصفو، مثل أمكنتها والوجوه، لحائل قمران قمر يجول في السماء، وقمر يجثو في الأرض، ما أن يطلع الصبح فيها حتى تبتهج النفس، والشوارع ملأى بالناس، والطيور تحوم تحويمات الجذل، والمدينة لامعة، مثل ورقة لا لون لها سوى لون الذهب، حائل كل يوم تزداد سحراً ودهشة، كل من يزورها يشعر بأن تلويحاتها تخصه بالنداء والدنو، وأن وجوه الناس الرضي، تخصه برضاها، وأن ظلال الأشجار، وتحويمات الطيور هالات ضوء تحرسه، وأن الشوارع كيفما يمشي تماشيه، وأن هفيف الأنسام يعبر الدثار ليلقي التحية والدفء والسلام، وأن الروائح الزكية تنثال من هنا وهناك لأجلهم، والناس يمرون للمؤانسة والمسرة، وكلما فكرت في حائل ينهض الجمال، ورائحة البخور، وطيبة الناس، الذي يأتي مثل سيل خفيف، ومطر حرون، ما أبهى حائل، مثل وقع سمفونية عذبة راقية، نثيث من رذاذ مطر ربيعي خفيف، يهمي فوق الرؤوس ليبعث الانتباه والصحو، جلنا أنا وصاحبي الأنيق في حائل بعجل لكننا وجدناها مثل قطرات الماء على النوافذ والعتبات، وشكل الحمام حين يعبر الغيمة ويعود بالتصفيق.